وأمّا برء النّذر فهو متفرع على الوجوب فهو ثمرة الثّمرة فلا وجه لذكره كما لا يجوز ذكره في النّزاع في دلالة الأمر على الوجوب وقد يورد أيضا بأنّ غرض النّاذر الواجب النّفسي لأنّه المنصرف إليه الإطلاق وهو ضعيف إذ له أن يخصصه بصورة التّعميم للواجبات الغيرية ومنها ترتب الثّواب والعقاب على فعل المقدمة وتركها على الأول دون الثّاني وفيه ما مر من منع ترتب العقاب على الواجب الغيري والثّواب لو كان هو تفضل ورحمة لا استحقاق ومنها أنّه على القول بالوجوب يتصف تاركها بالفسق دون القول بالعدم ويمكن تقريره بوجوه أحدها أنّه إذا كان ذو المقدمة مما يكون تركه من الكبائر فمحض ترك المقدمة يستحق العقاب على ترك ذي المقدمة وإن لم يدخل زمانه فتارك المشي مع الرّفقة إلى الحج يستحق العقاب قبل دخول ذي الحجة على ترك الحج على القول بالوجوب فيتصف بالفسق حين ترك المشي بخلاف القول بالعدم فينتظر إلى دخول الوقت فحينئذ يحكم باستحقاق العقاب وفيه أن هذه المسألة مبنية على أنّ ترك الحج حينئذ هل هو مستند إلى فعل المكلف بتركه المشي أو مستندا إلى عدم دخول زمانه فعلى الأول يستحق العقاب حينئذ بخلاف الثّاني ولا فرق فيهما بين وجوب المقدمة وعدمه والحق في المسألة هو الأوّل لاستناد التّرك عرفا إلى المكلف ولا يرد أنّ التّرك كان حاصلا قبل وجود المكلف بسبب عدم دخول الزّمان فكيف يستند إليه لحصوله قبله فنسبته إلى المكلف نسبة تحصيل الحاصل إليه لأنّا نقول إنّ الكلام إنّما هو في ترك الحج في ذلك الحجة فإنّه المستند إلى ترك المقدمة وأمّا تركه المستند إلى عدم دخول الزّمان فهو ترك الحج في الزّمان السّابق على ذي الحجة ولا كلام فيه وبالجملة يصدق على تارك المشي أنّه فوت الواجب على نفسه فتأخير العقاب إلى ذي الحجة سفه إذ لا يترتب على دخوله شيء بعد العلم بعدم إمكانه بعد فافهم والثّاني أنّه إذا كان ترك ذي المقدمة من الصّغائر فيترك المقدمات يصدق وصف الإصرار على الصّغيرة على القول بالوجوب لأنّه ترك واجبات كثيرة دون القول بالعدم لأنّه ترك واجبا واحدا وفيه أوّلا منع كون ترك الواجب الغيري عصيانا وثانيا لا نسلم أنّ الإصرار يتحقق بالمعاصي الغيرية بل مرادهم المعاصي النّفسية وإلاّ لم يبق فرق بين الصّغائر والكبائر على القول بوجوب المقدمة لأنّ ترك الواجبات إنّما هو ترك المقدمات وليس كذلك (والثّالث) أنّ تارك المقدمة عاص على القول بالوجوب والعاصي فاسق وفيه منع كون تركها عصيانا كما سلف بل العصيان إنّما هو بترك ذي المقدمة ومنها حرمة أخذ الأجرة على المقدمات على القول بالوجوب وجوازه على القول بالعدم لما ذكره الفقهاء من أنّ أخذ الأجرة على الواجب حرام وفيه أوّلا أنّ ما ذكره الفقهاء هو حرمة أخذ الأجرة على تحصيل الواجب وإن كان بإتيان مقدماته ولذا حكموا بحرمة أجرة الحفر الّذي هو مقدمة الدّفن ولم يفرقوا فيه بين وجوب المقدمة وعدمه وثانيا أنّا نمنع حرمة أخذ الأجرة على الواجب مطلقا إذ لا منافاة بين الوجوب وأخذ الأجرة ذاتا نعم كلما ثبت