الواجب إمّا أن يكون الغرض من وجوبه ذاته من غير ملاحظة شيء آخر كمعرفة الله سبحانه والتّقرب إليه وقد يكون غيره وهو قسمان أحدهما أن يكون الغرض منه التّوصل إلى واجب آخر كالمشي للحج والثّاني أن يكون الغرض ترتب آثار مقصودة غير التّوصل كالصّلاة وأمثالها وكل من القسم الأوّل والأخير يسمى واجبا نفسيّا والوسط غيريا فيعلم أن الواجب للغير أعم من الواجب الغيري والنّفسي لشموله القسمين الأخيرين فتعريف بعضهم الواجب الغيري بما يجب للغير غير مانع وما قيل إن المراد ما يجب لمصلحة في الغير فاسد لأنّ الواجب إنّما يجب لمصلحة في نفسه لكن المصالح مختلفة ومن جملتها التّوصل إلى واجب آخر فالتّعريف حينئذ لا يشمل الغيري أيضا وكيف كان إن علم النّفسيّة والغيريّة فهو وإن شك فيه رجع الشّك إلى شكين أحدهما الشّك في ذلك الواجب أنّه نفسي أو غيري والثّاني في الآخر أنّه مطلق أو مشروط بهذا الواجب ولا يخلو إمّا يكون دليلاهما لفظيين أو لبيّين أو أحدهما لفظيا والآخر لبيا وعلى الأوّل يجب الأخذ بإطلاقهما فيحكم بنفسيّة الواجب وإطلاق الغير لأنّه المنصرف إليه الإطلاق وإن كان الأمر حقيقة في الغيري والمشروط أيضا كما هو الحق وإن كان أحدهما لفظيا والآخر لبيّا عمل بمقتضى إطلاق اللّفظي فلو دل اللّفظ على وجوب الصّلاة واللب على وجوب الوضوء مثلا فمقتضى إطلاق اللّفظ إطلاق وجوب الصّلاة ويلزمه نفسيّة الوضوء إذ لو كان غيريا لكان وجوب الصّلاة مقيدا به وهذا وإن كان من قبيل الأصل المثبت إلاّ أنّه حجة في دلالة الألفاظ الّتي مبناها على الظّن والظّهور وإن كان كلاهما لبيا وجب الرّجوع إلى الأصول العمليّة فقبل وجوب الغير الأصل براءة الذّمة من الوضوء مثلا لاحتمال الوجوب الغيري وبعده الأصل البراءة من الصّلاة لمن لم يتمكن من الوضوء لاحتمال الوجوب المشروط ويؤيده أصالة الاشتغال إن قلنا به عند الشّك في الشّرطيّة والجزئيّة وهذه الوجوه تقتضي الوجوب الغيري ثم إنّ الأصل البراءة من وجوب تقديمه على الصّلاة فلو أتى به بعدها لكان ممتثلا وإذا خرج وقتا لواجب فإن لم يكن متمكنا في وقتها من الوضوء فالأصل البراءة منه للشّك في أصل تعلّق وجوبه لاحتمال الغيري وإن كان متمكنا فأصالة الاشتغال للقطع بوجوبه والشّك في سقوطه بخروج الوقت واستصحاب وجوبه الثّابت في الوقت في الجملة على إشكال وهذه الوجوه مما يقتضي الوجوب النّفسي وذكر الوضوء إنّما هو من باب المثال والمراد العمل الّذي شك في كونه واجبا نفسيا أو غيريا ثم إنّه قد يكون اللّفظ الدّال على الوجوب كلمة واجب كأن يقال الوضوء واجب مثلا فقيل مقتضى أصالة الحقيقة حمله على النّفسي المطلق لأنّ المشتق حقيقة في المتلبس والواجب الغيري أغلب بعد وجوب الغير وكذا المشروط بعد وجود الشّرط وقد عرفت بطلانه لأنّ الواجب حقيقة فيهما نعم يمكن التّمسك بإطلاق اللّفظ إذ لو كان غيريا أو مشروطا لوجب بيانه ويمكن أن يكون مراد القائل أيضا ذلك بناء على القول بأنّ استعمال المطلق في المقيد مجاز فتأمل (السّادسة) لا شبهة في أنّ تارك الواجب