عرّضت أخاك للتلف. فلما كان بعد ساعة أقبل إبراهيم ملتفا بشملته ، فقال له محمد : ألم أقل لك إنّك لا تقدر على ردّها؟ فأخرج ذنب الناقة فألقاه وقال : أما يعذر من جاء بهذا؟
وكان إبراهيم من كبار العلماء في فنون كثيرة : يقال إنّه كان أيام اختفائه بالبصرة قد اختفى عند المفضل بن محمد الضبي فطلب منه دواوين العرب ليطالعها فأتاه بما قدر عليه فأعلم إبراهيم على ثمانين قصيدة ، فلما قتل إبراهيم استخرجها المفضل وسمّاها بـ «المفضليات» وقرئت بعده على الأصمعي فزاد فيها ، وظهر إبراهيم ليلة الإثنين غرّة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة بالبصرة وبايعه وجوه الناس ؛ منهم بشير الرحال ، والأعمش سليمان بن مهران ، وعباد بن منصور القاضي صاحب مسجد عباد بالبصرة ، والمفضل بن محمد ، وسعيد بن الحافظ في نظرائهم. ويقال : إن أبا حنيفة الفقيه بايعه أيضا وكان قد أفتى الناس بالخروج معه ، فيحكى ان امرأة أتته فقالت : إنّك أفتيت ابني بالخروج مع ابراهيم فخرج فقتل. فقال لها : ليتني كنت مكان ابنك. وكتب اليه أبو حنيفة : أما بعد فاني قد جهزت اليك أربعة آلاف درهم ولم يكن عندي غيرها ، ولو لا أمانات للناس عندي للحقت بك ، فاذا لقيت القوم وظفرت بهم فافعل كما فعل أبوك في أهل صفين ، اقتل مدبرهم واجهز على جريحهم ولا تفعل كما فعل أبوك في أهل الجمل فان القوم لهم فئة ، ويقال ان هذا الكتاب وقع الى الدوانيقي وكان سبب تغيّره على أبي حنيفة.
وكان إبراهيم قد يلقب بأمير المؤمنين وعظم شأنه وأحبّ الناس ولايته وارتضوا سيرته ، فقلق الدوانيقي لذلك قلقا عظيما ، وندب اليه عيسى بن موسى من المدينة الى قتاله وسار ابراهيم من البصرة حتى التقيا بباخمرى ـ قرية قريبة من الكوفة ـ وانهزم عسكر عيسى بن موسى ... فيحكى ان ابراهيم نادى : لا يتبعن أحد منهزما ، فعاد أصحابه فظن أصحاب موسى أنّهم انهزموا فكروا عليهم فقتلوه وقتلوا