شهيده ذَنَبه ، مربٍّ لكلِّ فتنة. هو الذي يقول كرُّوها جذعة بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء كأمّ طحال أحبُّ أهلها اليها البغي ، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لحبت ، إنّي ساكت ما تُركت ».
ثم التفت إلى الأنصار فقال : « قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحقُّ من لزم عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقَّ ذلك منّا ». ثم نزل (١).
قال ابن ابي الحديد : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصريّ وقلت له : بمن يعرّض ؟ فقال : بل يصرّح ، قلت : لو صرّح لم أسألك ، فضحك وقال : بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام. قلت : هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله ؟ قال : نعم إنّه الملك يا بنيَّ ، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بذكر عليّ ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ـ انتهى.
لهذا قلت : إن الزهراء اتّخذت من فدك ذريعةً للوصول إلى استرداد خلافة علي عليهالسلام ، وإلا فما الذي حداها وهي تطالب بميراثها أن تشيّد بمواقف الإمام وأحقّيته بالخلافة حتى أثارث الأنصار ، فهتفوا بذكر علي ؟ وما الذي حدا أبا بكر أن يذكر عليّاً بسوء في خطبته كقوله : إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه ، مربٍّ لكل فتنة.
رابعاً : أرادت الزهراء عليهاالسلام بمنازعة أبي بكر إظهار حاله وحال أصحابه للناس ، وكشفهم على حقيقتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة ، وإلاّ فبضعة الرسول أجل قدراً وأعلى شأناً من أن تقلب الدنيا على أبي بكر حرصاً على الدنيا ، ولا سيّما أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ، ولذا لم ينهها عليٌّ عليهالسلام عن منازعة أبي بكر في فدك وهو القائل : « وما أصنع بفدك وغير فدك ،
__________________
(١) شرح ابن ابي الحديد : ١٦ / ٢١٤ ـ الرعة : بالتخفيف أي الاستماع والاصغاء ، القالة : القول ، فعالة : اسم الثعلب تحكم غير معروف ، شهيده ذنبه : أي لا شاهد له على ما يدعي إلاّ بعضه وجزء منه ، واصله مثل ، قالوا : ان الثعلب اراد ان يغري الاسد بالذئب فقال الثعلب : انه قد اكل الشاة التي كنت قد اعددتها لنفسك وكنت حاضرا قال : فمن يشهد لك بذلك ؟ فرفع ذنبه وعليه دم ، وكان الاسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته وقتل الذئب.