فلأنّه لا خلاف في أنّها صلوات الله عليها ادّعت النحلة مع عصمتها بالأدلة المتقدمة ، وشهد لها من ثبت عصمته بالأدلة الماضية والآتية والمعصوم لا يدّعي ، إلاّ الحقّ ولا يشهد إلاّ بالحقّ ويدور الحقّ معه ، حيثما دار ؛ وأمّا انها كانت في يدها صلوات الله عليها فلأنّها ادعتها بعد الوفاة صلىاللهعليهوآلهوسلم على وجه الاستحقاق وشهد المعصوم بذلك لها ، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت الواهب ، كما هو المشهود ، ثبت القبض وإلاّ فلا حاجة إليه في إثبات المدّعى.
قد مرّ من الأخبار الدالّة على نحلتها وانّها كانت في يدها عليهاالسلام ما يزيد على كفاية المنصف بل يسدّ طريق إنكار المتعسف ، ويدلّ على أنها كانت في يدها صلوات الله عليها ما ذكر أمير المؤمنين عليهالسلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف ، حيث قال : « بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشعت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، ونعم الحكم الله « وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غير جدث ! » (١).
وأمّا أنَّ أبا بكر وعمر أغضبا فاطمة عليهاالسلام فقد اتضح بالاخبار المتقدمة ، ثم اعلم انا لم نجد أحداً من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته ، ولا أحداً من الأصحاب طعن على أبي بكر بإنكاره ذلك ، إلاّ ما تفطّن به بعض الافاضل من الاشارف ، من أنه يظهر من أخبار المؤالف والمخالف ذلك. وقد تقدم ما رواه ابن ابي الحديد في ذلك ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري وغيرها من الأخبار ،
__________________
(١) أقول : إنّ فدك كانت في أيديهم ، وتحت تصرّفهم ، وعلى هذا فلم يكن للخليفة الغاصب مطالبتهم بالبينة ، فإنّها خلاف موازين القضاء ، ولم يكن إقطاع الرسول صلىاللهعليهوآله لفاطمة عليهاالسلام وأهلها أمراً فريداً يخصّها :
ففي فتوح البلدان للبلاذري : ٣١ : انه صلىاللهعليهوآله أقطع من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة ، وغيرهم ، وفي ص ٣٤ : وأقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل.
وفي ص ٢٧ : وأقطع بلالا أرضاً فيها جبل ومعدن ، وقال مالك بن أنس : أقطع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع ؛ وأقطع علياً عليهالسلام أربع أرضين : الفقيرين وبئر قيس والشجرة. وفي ص ٣٤ : وأبو بكر نفسه أقطع الزبير الجرف ، وعمر أقطعه العقيق ، أجمع. فما أدري لماذا أخذوا من فاطمة نحلة أبيها صلىاللهعليهوآله ؟ وهل كانت هي فقط من الأموال العامة للمسلمين ؟ نعم ، كان سبب ابتزازها نحلة فاطمة وابنيها تكون دعماً لبيت الإمامة ملازمة.