عبد الله يقرأ هذه الآية ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى)؟ قال : قلت : سمعته يقرأها (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) والذكر والأنثى).
قال لنا : والله هكذا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرؤها وهؤلاء يريدونني أن أقرأ (وَما خَلَقَ) فلا أتابعهم (١).
(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) إنّ عملكم لمختلف [وقال عكرمة وسائر المفسرين : السعي : العمل] ، فساع في فكاك نفسه ، وساع في عطبها ، يدل عليه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «والناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها» [١٥٧] (٢).
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) ماله في سبيل الله (وَاتَّقى) ربّه واجتنب محارمه (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) اي بالخلف أيقن بأن الله سبحانه سيخلف هذه ، وهذه رواية عكرمة وشهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، يدلّ عليه ما أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم ، عن محمد بن جرير قال : حدّثني الحسن بن أبي سلمة بن أبي كبشة قال : حدّثنا عبد الملك بن عمرو قال : حدّثنا عباد بن راشد ، عن قتادة قال : حدّثنا خليل العصري ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من يوم غربت شمسه إلّا وبعث بجنبتها ملكان يناديان ، يسمعهما خلق الله تعالى كلهم إلّا الثقلين ، اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ، فأنزل في ذلك القرآن ، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) ـ الى قوله ـ (لِلْعُسْرى)» [١٥٨] (٣).
وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحّاك : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) ، بـ (لا إله إلّا الله). وهي رواية عطية ، عن ابن عباس. وقال مجاهد : بالجنة ، ودليله قوله سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٤) ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : بموعود الله الذي وعده أن يثيبه.
(فَسَنُيَسِّرُهُ) فسنهيّئه في الدنيا ، تقول العرب : يسّرت غنم فلان إذا ولدت أو تهيّأت للولادة ، قال الشاعر :
هما سيدانا يزعمان وإنما |
|
يسوداننا إن يسّرت غنماهما (٥) |
(لِلْيُسْرى) للخلّة اليسرى ، وهي العمل بما يرضاه الله سبحانه ، وقيل : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضياللهعنه.
__________________
(١) وهو في صحيح مسلم : ٢ / ٢٠٦ ط. دار الفكر ، وقال ابن العربي في أحكام القرآن : هذا مما لا يلتفت إليه بشر إنما المعول عليه ما في المصحف فلا تجور مخالفته ـ عن هامش تفسير القرطبي : ٢٠ / ٨١.
(٢) مسند أحمد : ٣ / ٣٢١ ، والمستدرك : ٤ / ٤٢٢.
(٣) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٨٣.
(٤) سورة يونس : ٢٦.
(٥) جامع البيان للطبري : ٢٩ / ٧٠.