إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الكشف والبيان [ ج ١٠ ]

116/344
*

واختلف العلماء في معنى الحقب فقال قوم : هو اسم للزمان والدّهر وليس له حدّ ، وروى أبو الضحى عن ابن مسعود قال : لا يعلم عدد الأحقاب إلّا الله عزوجل ، وقال آخرون : هو محدود. ثم اختلفوا في مبلغ مدّته فقال طارق بن عبد الرحمن : دعاني شيخ بين الصفا والمروة فإذا عنده كتاب عبد الله بن عمرو (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ان الحقب أربعون سنة كلّ يوم منها ألف سنة ، وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد وابن حسن قالا : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا ابن المقري وأبو عبيد الله قالا : حدّثنا [محمد بن يحيى] العرني عن سفيان عن عمّار الدهني قال : قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما يجدون في الحقب في كتاب الله المنزل قال : يجده في كتاب الله ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا لكل شهر ثلاثون يوما كل يوم ألف سنة.

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن الفتح قال : حدّثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال : حدّثنا زياد بن أبي يزيد قال : حدّثنا سليمان بن مسلم عن سليمان الحتمي عن نافع عن [ابن عمر] عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكونوا فيها أحقابا ، والحقب بضع وثمانين سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون ويوما ، كل يوم ألف (سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، فلا يتّكلنّ أحد على أن يخرج من النار» [٨٧] (١).

وقال أبي بن كعب : بلغني أن الحقب ثلاثمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كلّ يوم ألف سنة ، وقال الحسن : إنّ الله سبحانه لم يذكر شيئا إلّا وجعل له مدّة ينقطع إليها ولم يجعل لأهل النار مدّة بل قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) فو الله ما هو إلّا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر ثم آخر كذلك إلى أبد الآبدين فليس للأحقاب عدة إلّا الخلود في النار ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة كل يوم منها ألف سنة ممّا نعده ، وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة ، وقال وهذه الآية منسوخة (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٢) يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل ، وقال بعض العلماء مجاز الآية (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) : لا يذوقون في تلك الأحقاب (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) ثم يلبثون أحقابا يذوقون حرّ الحميم ، والغساق من أنواع العذاب ، فهو توقيت لأنواع العذاب لا بمكثهم في النار.

(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً) يشفيهم من الحر إلّا الغسّاق وهو الزمهرير ، وقيل صديد أهل السعير ، وقال الثمالي : دموعهم ، وقال شهر بن حوشب : الغسّاق واد في النار فيه ثلاثمائة وثلاثون شعبا في كل شعب ثلاثمائة وثلاثون بيتا في كل بيت أربع زوايا في كلّ زاوية شجاع كأعظم ما خلقه الله سبحانه من خلقه في رأس كل شجاع سم.

__________________

(١) الدر المنثور : ٦ / ٣٠٨.

(٢) سورة : النبأ : ٣٠.