وعرفت أيضا وجه اعتبار هذا المقدار ، وأنّه ليس أمرا تعبّديا محضا ، وعلى فرض كونه كذلك يكون ستّة أشهر في كلّ سنة ، إلّا أن يبدو له في الاستيطان ، ويمنع مانع عنه ، لا كلّ سنة من مدّة عمره ، وقبل عروض المانع وحصول البداء لا بدّ أن يكون القصد دوام التوطّن ، إذ التوطّن على ما نقل عن الشهيد هو أن يجعل الموضع دار إقامته دائما على سبيل الوطنيّة (١).
ولعلّ مراده أنّ الوطن يزيد بالقيد المذكور عن المقام والتوطّن عن الإقامة ، ولا بدّ من الرجوع إلى اللغة والعرف ، فإن كان المتبادر من اللفظ الخالي عن القرينة هو الذي ذكره ، فالأمر كما ذكره.
وانظر هل يحسن أن يقال : اريد أن أتوطّن سنة أو سنتين ـ مثلا ـ ثمّ أخرج إلى موضع آخر؟ وإذا قيل : فلان يريد التوطّن في بلد كذا ، فهل يتبادر منه الدوام أم لا؟ والظاهر التبادر ، وعدم حسن السابق ، فراجع واستعلم.
فعلى هذا يكون المراد من استيطان ستّة أشهر الوارد في خصوص خبر ابن بزيع ، أنّه يكون قصده الدوام ، إلّا أنّه اتّفق البداء بعد ستّة أشهر ـ كما قاله المشهور ـ أو أنّ المراد اختيار كونه فيه في عرض السنة بعد مقدار ستّة أشهر دائما ، كما هو حال من له بيتان وأهلان في موضعين ، كما قلنا.
وممّا ذكر ظهر وجه آخر لإفادة الاستمرار وأنّه لا يكفي سنة واحدة ، كما قلنا ، وفي باقي الأخبار ـ مع كثرتها ـ لم يقيّد بستّة أشهر.
وفي خبر ابن بزيع إظهار لأقصى ما يتحقّق به التوطّن عرفا ، كما هو ظاهر ، وأنّه إذا تحقّق الإقامة فيه دائما ستّة أشهر يصدق عليه أنّه وطنه عرفا ، سواء كان فيه أم لم يكن ، فمتى دخله يتمّ ، لكونه في وطنه.
__________________
(١) نقل عنه في روض الجنان : ٣٨٦ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٠٩.