معه جوابان : أحدهما يشتركوا لأن يقولوا (١) ، والثاني : على التكرير تقديره : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) أحسبوا (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) لا يبتلون ليظهر المخلص من المنافق ، وقيل : (يُفْتَنُونَ) يصابون بشدائد الدنيا ، يعني : أنّ البلاء لا يدفع عنهم في الدنيا لقولهم : (آمَنَّا).
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فقال ابن جريج وابن عمير : نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذّب في الله.
وقال الشعبي : نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة إنّه لا يقبل منكم إقرار بإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا عائدين إلى المدينة ، فاتبعهم المشركون فردوهم ، فنزلت فيهم هذه الآية ، فكتبوا إليهم إنّه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا ، فقالوا : نخرج ، فإن اتبعنا أحد قاتلناه. فخرجوا ، فاتبعهم المشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله سبحانه فيهم هاتين الآيتين ، وقال مقاتل : نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يومئذ سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» [١٣٩] (٢) ، فجزع عليه أبواه وامرأته ، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية وأخبر أنّه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى ، وقيل : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) بالأوامر والنواهي.
ثم عزّاهم ، فقال عز من قائل : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار ، وعلمه قديم تام ، وإنّما معنى ذلك : فليظهرنّ الله تعالى ذلك حتّى يوجد معلومة.
قال مقاتل : فليرين الله ، الأخفش : فليميزنّ الله.
وقال القتيبي : علم الله سبحانه نوعان : أحدهما : علم شيء كان يعلم إنّه كان ، والثاني : علم شيء يكون ، فعلم إنّه يكون وقت كذا ولا يعلمه كائنا واقعا إلّا بعد كونه ووقوعه ، بيانه قوله سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (٣) أي نعلم المجاهدين منكم مجاهدين ونعلم الصابرين صابرين ، فكذلك هاهنا فليعلمنّ الله ذاك موجودا كائنا وهذا سبيل علم الله في الاستقبال.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الشرك (٤) (أَنْ يَسْبِقُونا) يعجزونا ويقولوا ما بأنفسهم
__________________
(١) في نسخة أصفهان : (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا).
(٢) تفسير القرطبي : ١٣ / ٣٢٤.
(٣) سورة محمّد : ٣١.
(٤) في نسخة أصفهان : أي السوء.