قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا ابن (١) شعيب الحرّاني قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله ابن الضحاك قال : سمعت الأوزاعي يقول : بلغني أنّ في السماء ملكا ينادي كل يوم : ألا ليت الخلق لم يخلقوا ، ويا ليتهم إذ خلقوا عرفوا ما خلقوا له وجلسوا فذكروا ما عملوا.
فصل في ذكر وجوه الحكمة في خلق الله سبحانه الخلق
قال المحقّقون : خلق الله سبحانه الخلق ليدلّ بذلك على وجوده وكمال علمه وقدرته ، إذ لو لم يخلق لم يكن لوجوده معنى.
وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : حدّثنا الحسن بن سفيان قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدّثنا ابن عليّة عن منصور بن عبد الرّحمن قال : قلت للحسن البصري في قوله سبحانه (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (٢).
قال : الناس مختلفون على أديان شتّى (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ، و (مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) غير مختلف.
فقيل له : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)؟.
قال : نعم ، خلق هؤلاء لجنّته وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته وخلق هؤلاء لعذابه.
وأخبرنا محمد بن القاسم الفقيه قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى الفقيه قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا محمد بن خالد (٣) البرقي عن أبيه عن أحمد بن نصر قال : سئل جعفر بن محمد : لم خلق الله الخلق؟
قال : لأنّ الله سبحانه كان محسنا بما لم يزل فيما لم يزل ، إلى ما لم يزل فأراد سبحانه وتعالى أن يفوّض إحسانه إلى خلقه وكان غنيّا عنهم ، لم يخلقهم لجرّ منفعة ، ولا لدفع مضرّة ، ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتّى يفصلوا بين الحق والباطل ، فمن أحسن كافأه بالجنة ، ومن عصى كافأه بالنار.
وقال محمد بن علي الترمذي : إنّ الله سبحانه خلق الخلق عبيدا ليعبدوه فيثيبهم على العبودية ويعاقبهم على تركها ، فإن عبدوه فهم اليوم عبيد أحرار كرام ، وغدا أحرار وملوك في دار السلام ، وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أبّاق سفلة لئام ، وغدا أعداء في السجون بين أطباق النيران.
__________________
(١) في النسخة الثانية : أبو.
(٢) سورة هود : ١١٨ ـ ١١٩.
(٣) في النسخة الثانية : وأخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه عن أبي محمد بن خالد.