قلنا : هذا من الخطاب المتلوّن الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع كقوله سبحانه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (١) ونحوها ، وقيل : رجع الى كلّ واحد من البيوت ، وقيل : هو مثل قوله سبحانه (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (٢) وإنّما هو في واحدة منها.
(أَنْ تُرْفَعَ) أي تبنى عن مجاهد نظيره قوله سبحانه (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) (٣) وقال الحسن : تعظيم ، (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) قال ابن عباس : يتلى فيها كتابه ، (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها) قرأ قتادة وأشهب العقيلي ونصر بن عاصم الليثي وابن عامر وعاصم بفتح الباء على غير تسمية الفاعل.
ثم قال (رِجالٌ) أي هم رجال كما يقال : ضرب زيد وأكل طعامك فيقال : من فعل؟ فيبيّن فيقول : فلان ، وفلان والوقف على هذه القراءة عند قوله (وَالْآصالِ). وقرأ الآخرون بكسر الباء جعلوا التسبيح فعلا للرجال.
قال ابن عباس : كلّ تسبيح في القرآن صلاة يدلّ عليه قوله سبحانه (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي بالغداة والعشىّ.
قال المفسّرون : أراد الصلوات المفروضة ، فالصلاة التي تؤدّى بالغدوّ صلاة الفجر ، والتي تؤدّى في الآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأنّ اسم الأصيل لجميعها.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا عمير بن مرداس قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدّثنا عبد الرّحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من أحد يغدو ويروح إلى المسجد ويؤثره على ما سواه إلّا وله عند الله نزل معدّله في الجنّة كلّما غدا وراح ، كما لو أنّ أحدكم زاره من يحبّ زيارته في كرامته» (٤) [٦٤].
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة المخزومي قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحسني عن إبراهيم المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من غدا الى المسجد وراح ليتعلّم خيرا أو يعلّمه كان كمثل المجاهد في سبيل الله رجع غانما ، ومن غدا إليه لغير ذلك كان كالناظر إلى الشيء ليس له ، يرى المصلين وليس منهم ، ويرى الذاكرين وليس منهم» (٥) [٦٥].
__________________
(١) سورة الطلاق : ١.
(٢) سورة نوح : ١٦.
(٣) البقرة : ١٢٧.
(٤) كنز العمّال : ٧ / ٥٦٩.
(٥) راجع كتاب الموطأ ـ الإمام مالك ـ : ١ / ٧١٦١ ومسند أحمد : ٢ / ٣٥٠ ، والمستدرك للحاكم : ١ / ٩١.