قال : «لا ، قال الله (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ)» (١).
وروى [سهيل] بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر يقول : إيّاكم والكذب فإن الكذب مجانب الإيمان. (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) اختلف النحاة في العامل في (من) في قوله (مَنْ كَفَرَ) ومن يؤله (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً).
فقال نحاة الكوفة : جوابهما جميعا في قوله : (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) إنّما هذان جزءان إن اجتمعا أحدهما منعقد بالآخر فجوابهما واحد ، كقول القائل : من يأتنا فمن يحسن نكرمه ، بمعنى من يحسن ممن يأتينا نكرمه (٢).
وقال أهل البصرة : بل قوله (مَنْ كَفَرَ) مرفوع بالرد على الذي في قوله (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) ومعنى الكلام : إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ، ثمّ استثنى فقال (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
قال ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في عمار وذلك ، أن المشركين أخذوه وأباه ياسر وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم ، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجيء قلبها بحربة ، وقيل : لما أسلمت من أجل الرجال فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام رحمة الله ورضوانه عليهما ، وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها.
قال قتادة : أخذ بنو المغيرة عمارا وغطوه في بئر مصون وقالوا له : أكفر بمحمد [ولم يتعمد] ذلك وقلبه كان مطمئنا فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن عمارا كفر. فقال : «كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه».
فأتى عمار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسح عينيه ، وقال : «ما لك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» [٩].
فأنزل الله هذه الآية (٣).
وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب محمّد : إن هاجروا إلينا فإنا [لا نرى أنكم] منّا حتّى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة فأدركهم قريش بالطريق ففتنوهم فكفروا كارهين.
وروى ابن عون عن محمّد بن سيرين قال : تحدثنا أن هذه الآية نزلت في شأن عياش بن
__________________
(١) الدعوات للراوندي : ١١٨ ح ٢٧٥.
(٢) راجع تفسير الطبري : ١٤ / ٢٣٦.
(٣) أسباب النزول للواحدي : ١٩٠.