ليلة هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرّحمن بن عوف منهم!! ، ثم أقيمت الصلاة فقام علىّ يجرّ رداءه وهو يقول (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) يعني صوتها إذا نزلوا منازلهم من الجنة (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) والشهوة طلب النفس اللذّة ، نظيرها قوله (فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) (١).
(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وقرأ أبو جعفر بضمّ الياء وكسر الزاي ، والباقون : بفتح الياء وضمّ الزاي ، واختلفوا في الفزع الأكبر ، فقال ابن عباس : النفخة الآخرة ، دليله قوله سبحانه (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (٢).
وقال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار.
سعيد بن جبير والضحّاك : إذا أطبقت على أهل النار.
ابن جريج : حين يذبح الموت على صورة كبش أملح على الأعراف والفريقان ينظران فينادى : يا أهل الجنّة خلود فلا موت ، ويا أهل النّار خلود فلا موت.
ذو النون المصري : هو القطيعة والهجران والفراق.
(وَتَتَلَقَّاهُمُ) تستقبلهم (الْمَلائِكَةُ) على أبواب الجنة يهنّونهم ويقولون لهم (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ. نَطْوِي السَّماءَ) قرأ أبو جعفر تُطْوَى السَّماءُ بضم التاء والهمزة على المجهول ، وقرأ الباقون بالنون السماء نصب (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) قرأ أهل الكوفة على الجمع ، غيرهم : للكتاب على الواحد واختلفوا في السجلّ ، فقال ابن عمر والسدىّ : السجل : ملك يكتب أعمال العباد فإذا صعد بالاستغفار قال الله سبحانه : أكتبها نورا.
وقال ابن عباس ومجاهد : هو الصحيفة ، واللام في قوله (لِلْكُتُبِ) بمعنى على تأويلها كطىّ الصحيفة على مكتوبها.
وروى أبو الجوزاء وعكرمة عن ابن عباس أنّ السجلّ اسم كاتب لرسول الله ، وهذا قول غير قوي لأنّ كتّاب رسول الله كانوا معروفين وقد ذكرتهم في كتاب «الربيع» ، والسجلّ اسم مشتقّ من المساجلة وهي المكاتبة ، وأصلها من السجل وهو الدلو ، يقال : سجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ثم استعيرت فسميت المكاتبة والمراجعة مساجلة ، قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الزخرف : ٧١.
(٢) سورة النمل : ٨٧.