إلّا وليس في القرآن سواه ، والسبق تقدّم الشيء على غيره.
(لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) السعادة والعدة الجميلة بالجنّة (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) والإبعاد : تطويل المسافة. واختلفوا في هؤلاء من هم؟ فقال أكثر المفسرين : عندي بذلك كلّ من عبد من دون الله وهو طائع ولعبادة من يعبده كاره ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم (١) وحول الكعبة ثلاثمائة وستّون صنما فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث فكلّمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآيات الثلاث ، ثمّ قام فأقبل عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي السهمي فرآهم يتهامسون قال : فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال عبد الله : أما والله لو وجدته لخصمته ، فدعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له ابن الزبعرى : أنت قلت : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)؟ قال : نعم ، قال : قد خصمتك وربّ الكعبة ، أليست اليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح وبنو مليح يعبدون الملائكة؟.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم ، بل هم يعبدون الشياطين ، هي التي أمرتهم بذلك ، فأنزل الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) الآية يعني عزيرا وعيسى والملائكة» (٢).
قال الحسن بن الفضل : إنما أراد بقوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الأوثان دون غيرها لأنّه لو أراد الملائكة والنّاس لقال : «ومن تعبدون» ، قلت : ولأنّ المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة وهم كانوا يعبدون الأصنام.
وقال بعضهم : هذه الآية عامّة في كلّ من سبقت له من الله السعادة.
قال محمّد بن حاطب : سمعت عليّا كرّم الله وجهه يخطب ، فقرأ هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ) فقال : عثمان رضياللهعنه منهم!.
وقال الجنيد في هذه الآية : سبقت لهم من الله العناية في البداية ، فظهرت الولاية في النهاية.
أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال : حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السبيعي بحلب قال : أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي قال : حدّثنا عبيد الله القواريري قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني قال : حدّثنا ليث عن ابن عمّ النعمان بن بشير ـ وكان من سمّار علىّ ـ قال : تلا عليّ
__________________
(١) في النسخة الثانية : المسجد.
(٢) جامع البيان للطبري : ١٧ / ١٢٨.