الكوفة (جَزاءً) نصبا منوّنا على معنى : فله الحسنى جزاء نصب على المصدر ، وقرأ الباقون بالرفع على الإضافة. ولها وجهان : أحدهما أن يكون المراد بالحسنى : الأعمال الصالحة ، والوجه الثاني أن يكون معنى الحسنى : الجنّة ، فأضيف الجزاء إليهما كما قال : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) (١) والدار هي الآخرة : و (ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٢).
(وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي نلين له القول ، ونهوّن له الأمر. وقال مجاهد : (يُسْراً) أي معروفا.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) ، أي سلك طريقا ومنازل (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) ، قال قتادة : لم يكن بينهم وبين الشمس ستر ؛ وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليهم بناء ، وأنهم كانوا في شرب لهم ، حتّى إذا زالت الشمس عنهم ، خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقال الحسن : كانت أرضهم أرضا لا تحتمل البناء ، وكانوا إذا طلعت عليهم الشمس تهوّروا في الماء ، فإذا ارتفعت عليهم خرجوا فتراعوا كما تراعى البهائم.
وقال ابن جريج : جاءهم جيش مرّة فقال لهم أهلها : لا تطلع عليكم الشمس وأنتم بها ، فقالوا : ما نبرح حتّى تطلع الشمس. وقالوا : ما هذه العظام؟ قالوا : هذه جيف جيش طلعت عليهم الشمس هاهنا فماتوا. قال : فذهبوا هاربين في الأرض. قال قتادة : ويقال : إنهم الزنج. وقال الكلبي : هم تاريس وتاويل ومنسك عراة حفاة عماة عن الحق ، قال : وحدثنا عمرو بن مالك بن أميّة قال : وجدت رجلا بسمرقند يحدّث الناس وهم مجتمعون حوله ، فسألت بعض من سمع حديثه فأخبرني أنّه حدّثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس قال : خرجت حتّى جاوزت الصين ثمّ سألت عنهم فقيل لي : إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة. فاستأجرت رجلا فسرت بقية عشيتي وليلتي حتّى صبحتهم ، فإذا أحدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى قال : وكان صاحبي يحسن لسانهم فسألهم وقال : جئنا ننظر كيف تطلع الشمس. قال : فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي عليّ فوقعت فأفقت ، وهم يمسحونني بالدهن ، فلما طلعت الشمس على الماء إذا هي على الماء كهيئة الزيت وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط ، فلمّا ارتفعت أدخلوني سربالهم أنا وصاحبي ، فلمّا ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السّمك فيطرحونه في الشمس فينضج.
قوله تعالى : (كَذلِكَ) اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : يعني كما بلغ مغرب الشمس فكذلك بلغ مطلعها. وقيل : (أَتْبَعَ سَبَباً) كما أتبع سببا. وقيل : كما وجد [القبيلتين] (٣) عند مغرب الشمس
__________________
(١) سورة يوسف : ١٠٩.
(٢) سورة البينة : ٥.
(٣) كلمة غير مقروءة ، والظاهر ما أثبتناه.