وقال مجاهد : عنى به أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) يعني القرآن (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لفظه استفهام ومعناه أمر.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا (وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) نوفر لهم أجور أعمالهم في الدنيا (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) لا ينقصون. قتادة يقول : من كانت الدنيا همّه وقصده وسروره وطلبته ونيّته جازاه الله تعالى ثواب حسناته في الدنيا ، ثم يمضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء ، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أحسن من محسن (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) في عاجل الدنيا وآجل الآخرة» (١).
واختلفوا في المعنيّ بهذه الآية فقال بعضهم : هي للكفار ، وأما المؤمن فإنه يريد الدنيا والآخرة ، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته للدنيا ، ويدل عليه قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) في الدنيا (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال مجاهد : هم أهل الربا.
وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال : حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا؟ قيل : أبو هريرة.
قال : فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت : وأنشدك الله لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم [عقلته وعلمته] فقال : لأحدّثنّك حديثا حدثنيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في [هذا البيت] ثم غشي عليه ثم أفاق فقال : أحدثك حديثا حدّثنيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذا البيت ، ولم يكن أحد غيره وغيري ، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال : [فأرى على وجهه ثمّ استغشى] طويلا ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا (٢) العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال. فيقول الله للقارئ : ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي؟ قال : بلى يا رب.
قال : ماذا عملت فيما علمت؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله تعالى له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، فيقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ١٢ / ١٨ ، وتاريخ دمشق : ٤٧ / ٢١٤. ٢١٦.
(٢) في المصدر : ينزل إلى.