يصدق موسى مهما آتاهم من الحجج (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) فقال قوم : هي راجعة إلى موسى وأراد بهم مؤمني بني إسرائيل.
قال ابن عباس : كانوا ستمائة ألف وذلك أن يعقوب عليهالسلام دخل مصر في اثني وسبعين إنسانا فتوالدوا بمصر حتى بلغوا ستمائة ألف.
وقال مجاهد : أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى إلى بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء وبقي الأبناء ، وقال آخرون : الهاء راجعة إلى فرعون.
روى عطية عن ابن عباس : هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وماشطته.
وروي عن ابن عباس من وجه آخر : أنهم سبعون أهل بيت من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فجعل الرجل يتبع أمه وأخواله.
قال الفراء : وإنما سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل ، كما يقال لأولاد أهل فارس الذين انتقلوا إلى اليمن الأبناء ، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم والذرية العقب من الصغار والكبار (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) يريد الكناية في قومه إلى فرعون ، ردّ الكناية في قوله : (وَمَلَائِهِمْ) ، إلى الذرية ، ومن رد الكناية إلى موسى يكون : إلى ملأ فرعون.
قال الفراء : وإنما قال : (وَمَلَائِهِمْ) بالجمع وفرعون واحد لأن الملك إذا ذكر ذهب الوهم إليه وإلى أصحابه (١).
[فيكون من باب حذف المضاف] وذكر وهب بن منبه ، [أنه] إليه وإلى عصابته كما يقال : قدم الخليفة تريد والذين معه ، ويجوز أن يكون أراد بفرعون آل فرعون [كقوله تعالى] : (سْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٢) و (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ) (٣) (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) بصرفهم عن دينهم ، ولم يقل : يفتنوهم ؛ لأنّه أخبر أنّ فرعون وقومه كانوا على [الضلال].
(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [من المجاوزين الحدّ في العصيان والكفر] لأنّه كان قد ادّعى الربوبية (وَقالَ مُوسى) لمؤمني قومه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا).
ثم دعوا فقالوا : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قال أبو مجلز : ربّنا لا تظهر فرعون وقومه علينا فيروا أنّهم خير منا فيزدادوا طغيانا. وقال عطية : لا تسلّطهم علينا فيسيئون
__________________
(١) راجع زاد المسير لابن الجوزي : ٤ / ٤٦.
(٢) سورة يوسف : ٨٢.
(٣) سورة الطلاق : ١.