وإلّا فكذّبوا ، المبرد : أصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قيل : أرقت الماء وهرقت ، ولمّا ينثر عن الرأس عند الدلك أبرية وهبرية ونهاة وهيهات. وأتاك وهياك فهو مبني آمن أمين كما بيطر ومبيطر من بيطار.
قال النابغة :
شكّ المبيطر إذ شفا من العضد (١)
وقال الضحّاك : ماضيا ، عكرمة : دالا عليه ، ابن زيد مصدّقا ، الخليل : رقيبا وحافظا ، يقال : هيمن فلان على كذا إذا شاهده وحفظه.
قلت : سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت المنصور بن محمد بن أحمد بن منصور البستي يقول : سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي يقول : تقول العرب : الطائر إذا جعل يطير حول وكره وخاف على فرخه صيانة له ، هيمن الطائر مهيمن. وكذلك يقول للطائر إذا أرخى جناحيه فألبسهما بيضه وفرخه مهيمن. وكذلك جعل اختباؤه ومنه قيل : الله تعالى المهيمن كان معناه الرقيب الرحيم. قال : ورأيت في بعض الكتب إنها بلغة العجمانية فعرّبت ، وقرأ عكرمة : هيمن ومهيمن. بقولهم الملوك (فَاحْكُمْ) يا محمد (بَيْنَهُمْ) بين أهل الكتاب ، إذا ترافعوا إليك (بِما أَنْزَلَ اللهُ) بالقرآن (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ، أي سبيلا وسنّة وجمع الشرعة الشرع وكل ما شرّعه فيه فهو شرعة وشريعة ، ومنه شريعة الماء ومشرعته ، ومنه شرائع الإسلام شروع أهلها فيها ، ويقال : من شرع شرعا إذا دخلوا في أمر وساروا به. والمنهاج والمنهج والنهج الطريق البين الواضح.
قال الراجز :
من يك في شك فهلّا ولج |
|
في طريق المهج (٢) |
قال المفسّرون : عنى بذلك جميع أهل الملل المختلفة جعل الله لكل أهل ملّة شريعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، يحل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ، والدين واحد والشرائع مختلفة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) كلّكم ملّة واحدة (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) ليخبركم وهو أعلم وقد مضى معنى الابتلاء (فِي ما آتاكُمْ) من الكتب وبين لكم من [السنن] فبيّن المطيع من العاصي والمواظب من المخالف (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) فبادروا بالطيّبات والأعمال الصالحات (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ).
__________________
(١) لسان العرب : ٣ / ٢٩٥.
(٢) جامع البيان : ٦ / ٣٦٥. وفيه :
من يك في شك فهذا أفلج |
|
ماء رواء وطريق نهج. |