مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قَالَ اللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)
قوله (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) يعني حين قال الله يا عيسى بن مريم ، محل عيسى نصب لأنه نداء المنصوب إذا جعلته نداء واحدا : فإن شئت جعلته ندائين فيكون عيسى في محل الرفع لأنه نداء مفرد وابن في موضع النصب لأنه نداء مضاف ، وتقدير الكلام يا عيسى يا ابن مريم. نظيره قوله :
يا حكم بن المنذر بن الجارود |
|
أنت الجواد ابن الجواد ابن الجود (١) |
ذلك في حكم الرفع والنصب ، وليس بن المنذر عن النصب (اذْكُرْ نِعْمَتِي) قال الحسن : ذكر النعمة شكرها وأراد بقوله نعمتي نعمي لفظه واحد ومعناه الجمع كقوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢) أراد نعم الله لأن العدد لا ينفع على الواحد (عَلَيْكَ) يا عيسى (وَعَلى والِدَتِكَ) مريم ، ثم ذكر النعم (إِذْ أَيَّدْتُكَ) قوّيتك وأعنتك (بِرُوحِ الْقُدُسِ) يعني جبرئيل (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) صبيا (وَكَهْلاً) نبيا (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) قال ابن عباس : أرسله الله وهو ابن ثلاثين سنة فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ثم (رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) (٣).
(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) يعني الخط (وَالْحِكْمَةَ) يعني العلم والقيم (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) وتجعل وتصوّر وتقدر إلى قوله (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٤) أي المصورين من الطين (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) كصورة الطير.
(بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) حيا يطير بإذني (وَتُبْرِئُ) تصح وتشفي (الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى) من قبورهم أحياء (بِإِذْنِي) فأحيا سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية (وَإِذْ كَفَفْتُ) منعت وصرفت (بَنِي إِسْرائِيلَ) يعني اليهود (عَنْكَ) حين همّوا بقتلك (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعني الدلالات والمعجزات التي ذكرتها (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) يعني ما جاءتهم من البينات ومن قال ساحر بالألف فإنه راجع إلى عيسى عليهالسلام.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان : ٣ / ٤٤٨.
(٢) سورة إبراهيم : ٣٤.
(٣) زاد المسير لابن الجوزي : ١ / ٣٣٢.
(٤) سورة المؤمنون : ١٤.