بل الفقيه الواحد ربّما خفي عليه من أوّل الأمر ، ثمّ اطّلع عليه وادّعى الإجماع ، وربّما يكون أمره بالعكس ، بل ربّما يكون في أوّل أمره اطّلع على قول جماعة من فقهاء الشيعة فاعتقد إجماعا ، وربّما اطّلع على جماعة آخرين فاعتقد إجماعا مخالفا للإجماع الأوّل ، فإنّ الفقيه دائما في التحرّي والتفحّص ، وعادة لا يمكن عدم المخالفة بين معتقداته أصلا ، ولو كان كذلك لم يكن فقيها عند الفقهاء ، لأنّه دليل على جموده في التقليد ، أو أنّه بليد ، أو أنّه لا يتأمّل جدّا. إلى غير ذلك ، وإن كانت المخالفة قدحا عند الغافلين الذين لا يتأمّلون ولا يبالون.
فإن قلت : على هذا أيّ وثوق يبقى؟
قلت : جميع ما هو معتبر في الفقه ـ من مسائل النحو والصرف واللغة والرجال والأحاديث وغير ذلك ـ وقع فيه ما ذكر وأضعاف ما ذكر ، مع أنّ العبرة في حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد إنّما هي بما دلّ على حجّية خبر الواحد ، لا بنفس الإجماع كما عرفت ، كما أنّ الأمر في الأحاديث وغيرها أيضا على ذلك ، أو على ما دلّ على كون ظنّ المجتهد حجّة ، لا على نفس الظنّ.
فكيف يجوز للفقيه ردّ دعوى الإجماع؟! مع أنّ الله تبارك وتعالى منع عنه ، على حسب ما عرفت ، مع أنّ ما لم يقع فيه الاختلال المذكور ، كيف يمكن ردّه؟ لأنّ ردّ القطعي كفر ، وإن نقله الفاسق.
فالأمر بقبول خبر العادل دون الفاسق إنّما هو فيما إذا كان اختلال يمنع عن القطع ، سيّما مع قوّة الظنّ من جهة أنّ عادتهم الاختلاف (١) ولم يقع وهذا يحصل الظنّ المتاخم إلى العلم ، لو لم نقل بحصول العلم ، فتأمّل جدّا!
مع أنّ ما نحن فيه وصل حدّ التواتر.
__________________
(١) في (ز ١) و (ز ٢) و (ط) : كثرة الاختلافات.