إنّ الطريقة الحاكمة في يومنا هذا على المجاميع العلميّة والحوزات الدينيّة ما هي إلّا حصيلة مساعي ثلّة طاهرة قامت مجتهدة ومثابرة لمحو كلا الانحرافين المزبورين ، حتّى أصبحت كلتا المدرستين ـ الإفراطيّة والتفريطيّة ـ في يومنا هذا بديهيّة البطلان ، وواضحة الزيف والتجوّف.
ولإلقاء الضوء على ما لأبناء كلا المدرستين من الانحراف والابتعاد عن الجادّة والصراط المستقيم ، حفاظا على حاقّ الشريعة وجوهرها ، وما عبّرنا عنه اليوم : مدرسة الاعتدال ، أقول : لكي يتضح ما نريد القول به. حريّ بنا أن نشير إلى لمحة مجملة عن كلا الخطيّن ، ونذكر دراسة مبسّطة لكلتا المدرستين كي يبرز منهما عظمة ما وصلت إليه مدرسة الاعتدال المزبورة في سيرها العلميّ والعملي معا.
فنقول : أما الأخباريّون ؛ وهم الممثّلون لمدرسة التحجّر والجمود (١) ، التي بدأت ظاهرا في أوائل القرن الحادي عشر ببروز مدرسة جديدة لاستنباط أحكام الشرعيّة ـ لو صحّ لنا أن نعبّر عنها بذلك ـ وذلك على يد شخص اسمه : ميرزا محمّد أمين الأسترآبادى رحمهالله ، الذي يعدّ باني اسس هذه الطريقة ، ومؤسّس مبانيها ، والذي أبعد الشريعة السمحاء ـ انصافا ـ بفعله هذا عن جوهر مبانيها ، وحاقّ حقيقتها بما أسّسه من طرق ، هي أشبه بما جاءتنا به مدرسة الرأى والقياس عند العامّة من ضحالة وسطحيّة.
وما كان هذا إلّا نتيجة عدم استيعاب ما قرّره السلف الصالح من قواعد فقهيّة ومبانى اصوليّة للفقه لم يهضمها هؤلاء ـ كما هي ـ ممّا سبّب خروجهم عن
__________________
(١) لا نجد ثمّة ضرورة لبيان الفارق بين هؤلاء ومكتب الاصوليّين ، بعد ما اسهبنا الحديث ـ إلى حدّ ما ـ عنهما في مقدمة كتابنا «الرسائل الاصوليّة» ، (راجع! الرسائل الاصوليّة : ١٨ ـ ٣٢ (المقدمة).