فيقول : انزل إلى الأرض وغلّ مردة الشياطين لا يفسدوا عليهم صيامهم وإفطارهم ، ولله في كل يوم من شهر رمضان عند طلوع الشّمس وعند وقت الإفطار عتقاء يعتقهم من النّار عبيدا وإماءا ، وله في كل سماء مناد فيهم ، ملك عرفه تحت عرش ربّ العالمين وفرائضه في تخوم الأرض السّابعة السفلى ، جناح له بالمشرق مكلل بالمرجان والدّرر والجوهر ، وجناح له بالمغرب مكلل بالمرجان والدّرر والجوهر ينادي : هل تائب يتاب عليه؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مظلوم ينصره الله؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ قال : وينادي الرّب تعالى ذكره الشهر كلّه : عبادي وإمائي أبشروا واصبروا [وداوموا] أوشك أن يرفع عنكم في المؤونات ، ويفضوا إلى رحمتي وكرامتي. فإذا كان ليلة القدر ، نزل جبرئيل في كبكبة (١) من الملائكة يصلون [ويسلمون] على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عزوجل» [٤٤] (٢).
إبراهيم بن هدية عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو أذن الله للسّماوات والأرض أن يتكلّما بشّرا بمن صام رمضان : الجنّة» [٤٥].
عبد الملك بن عمر عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نوم الصّائم عبادة وصمته تسبيح ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف» [٤٦] (٣).
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قرأه العامة بجزم اللام ، وقرأ الحسن والأعرج : بكسر اللام وهي لام الأمر ، وحقها الكسر إذا أفردت ، وإذا وصلت بشيء ففيه وجهان : الجزم والكسر ، وإنّما توصل بثلاثة أحرف الفاء كقوله (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) (٤) والواو كقوله (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) (٥) وثمّ كقوله (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) (٦).
واختلف العلماء في معنى هذه الآية وحكمها :
فقال بعضهم : معناها فمن شهده عاقلا بالغا مقيما صحيحا مكلّفا فليصمه قاله أبو حنيفة وأصحابه ، وقال قوم : معناها : إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فليصم الشهر كلّه.
حتّى لو غاب بعد فسافر أو أقام فلم يبرح قاله النخعي والسّدي.
وقال قتادة : إنّ عليّا رضياللهعنه كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثمّ سافر فعليه الصّوم.
وقال محمّد بن سيرين : سألت عبيدة السّلمان عن الرّجل يدركه رمضان ثمّ يسافر فقال : إذا
__________________
(١) الكبكبة : الجماعة من الشيء.
(٢) راجع زاد المسير : ٨ / ٢٨٧.
(٣) الجامع الصغير : ٢ : ٦٧٨ بزيادة : وذنبه مغفور ، وكذا في الدر المنثور : ١ : ١٨٠.
(٤) سورة قريش : ٣.
(٥) سورة الحجّ : ٢٩.
(٦) سورة الحجّ : ٢٩.