ورذالة أموالهم فيعزلون الجيّد ناحية لأنفسهم ، فأنزل الله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) يعني الردي من أموالكم ، والخشف من التمر ، والعفن والزوان من الحبوب ، والزيوف من الدراهم والدنانير.
(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) محل أن نصب بنزع حرف الصفة ، يعني : بأن تغمضوا فيه.
وقرأ الزهري : تَغْمُضُوا بفتح التاء وضم الميم. وقرأ الحسن بفتح التاء وكسر الميم ، وهما لغتان غمض يغمض ويغمض. وقرأ قتادة تغمضّوا فيه من التفعيل وقرأ أبو مجلن : تُغمَضوا بفتح الميم وضم التاء يعني إلّا أن تغمض لكم. وقرأ الباقون : (تُغْمِضُوا).
والإغماض : غض البصر وإطباق جفن على جفن. قال روبة :
أرق عينيّ عن الإغماض |
|
برق سرى في عارض نهّاض (١) |
وأراد هاهنا التجويز والترخص والمساهلة ، وذلك إن الرجل إذا رأى ما يكره أغمض عينه لئلّا يرى جميع ما يفعل ، ثم كثر ذلك حتّى جعل كلّ تجاوز ومساهلة في البيع إغماضا.
قال الطرمّاح :
لم يفتنا بالوتر قوم وللضيم |
|
رجال يرضون بالإغماض (٢) |
قال علي والبراء بن عازب : معناه : لو كان لأحدكم على رجل حقّ فجاءه بهذا ، لم يأخذه إلّا وهو يرى أنّه قد أغمض عن بعض حقّه. وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
وروى الوالبي عنه : ولستم بآخذي هذا الردي لو كان لأحدكم على الآخر حقّ بحساب الجيّد حتّى تنقصوه.
الحسن وقتادة : لو وجدتموه بياعا في السوق ما أخذتموه بسعر الجيّد حتّى يغمّض لكم من ثمنه.
وروي عن الفراء أيضا قال : لو أهدي ذلك لكم ما أخذتموه إلّا على استحياء من صاحبه وغيظ أنّه بعث إليك بما لم يكن فيه حاجة ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! أخبر الله تعالى أن أهل السهمان شركاء ربّ المال في ماله فإذا كان ماله كلّه جيّدا فهم
__________________
(١) أراقه : أسهره ، عارض نهاض : سحاب مرتفع ، والبيت في لسان العرب : ٧ / ١٩٩٥ وفيه : عينيك عن الغماض ، وكذا في تاج العروس : ٥ / ٦٣.
(٢) تفسير الطبري : ٣ / ١١٦.