الدين ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة وفي كتابه الفلك الدائر على المثل السائر ، وصاحب هذا التفسير المسمّى بمحمّد بن الحسن الشّيباني (١٦).
٤ ـ دافعه إلى تأليف التفسير ومنهجيّته ومكانته الثقافيّة :
قال ـ رحمه الله ـ في مقدّمة التفسير : «قد كان يتردّد في خاطري ، زمان الشّباب والنّشاط والإشتغال ، جمع شيء من معاني كلام الله ـ تعالى ـ وأسباب نزوله وغريبه. وكان يصدفني عنه عوارض الوقت وقواطعه وقوادحه وموانعه. فاتّفق لحسن التّوفيق ذات يوم الاجتماع في جماعة من العلماء الفضلاء الأصدقاء الصّلحاء ذوي الفضل والأدب والنّباهة والتّحقيق والإخاء. فأجرينا الكلام بيننا في كتاب الله ـ تعالى ـ واحتوائه على كلّ أدب وعلم وتنبيه وعظة وفصاحة وحكم. فأطلعتهم على ما يتردّد في خاطري ويسنح في جناني وضمائري. فحثّوني عليه ، وأرهقوا عزمي ومسارعتي إليه. وقالوا في ضمن كلامهم : أنت تعلم ما في هذا من الذّكر الباقي الجميل والثّواب الوافي الجزيل ، مع ما روي في ذلك عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [من قوله] : من نشر علما ، كان له مثل أجره ومثل أجر العامل به إلى يوم القيامة.
فسارعت إلى تلبيتهم ، وبادرت إلى إجابتهم ، وشرعت في جمعه على كثرة قواطع الزّمان ومنعه. هذا ، مع اعترافي معهم بالتّقصير ، وقصوري عن استيفاء معاني كلام اللّطيف الخبير.
[وكنت] إذ ذاك قد وقفت على كثير من أقوال المفسّرين ، من السّلف الصّالح والأنموذج الرّاجح ، فرأيتها مختلفة غير متّفقة ، ومتباينة غير مؤتلفة ، يتحيّر الواقف عليها والمتصفّح لها ؛ لكون كلّ منهم قد فسّر على رأيه ومذهبه ، ثمّ رفعه إلى صحابيّ أو تابعي.
فألغيت ذلك وحكيت من أقوالهم وتفاسيرهم ما يقلّ الخلاف فيه ، وتحصل الفائدة به للعالم الفقيه والقارئ النبيه. وذكرت في ضمن ذلك بعض ما ورد عن أهل البيت ـ عليهم
__________________
(١٦) أنظر للاطّلاع والاستقصاء : تاريخ علماء المستنصريّة لناجي معروف ٢ / ٦٠ ـ ٦٦.