ومنها : الياءُ المُبْدلَةُ مِن لامِ الفِعْل كالخامِي والسادِي في الخامِسِ والسادِسِ ، يفصلون (١) ذلكَ في القوافِي وغَيْرِ القوافِي ؛ قال الشاعرُ :
إذا ما عُدَّ أَرْبعةٌ فِسالٌ |
|
فزَوْجُكِ خامِسٌ وأَبُوك سادِي (٢) |
ومِن ذلك : ياءُ الثَّعالِي والضَّفادِي ، أَي الثَّعالِب (٣) والضَّفادِع ؛ قالَ :
ولِضَفادِي جَمّة نَقانِقُ (٤)
ومنها : الياءُ السَّاكِنَةُ تُتْرَكُ على حالِها في مَوْضِعِ الجَزْمِ ، في بعضِ اللّغاتِ ؛ وأَنْشَدَ الفرَّاء :
أَلم يأْتِيكَ والأنبْاءُ تَنْمي |
|
بما لاقَتْ لَبُونُ بَني زِيادِ (٥)؟ |
فأَثْبَتَ الياءَ في يأْتِيكَ وهي في موضِعِ جَزْمٍ ؛ ومثْلُه قوله :
هُزِّي إليك الجِذْعَ يَجْنِيكِ الجَنَى (٦)
كان الوَجْهُ أَنْ يقولَ يَجْنِكِ بِلا ياءٍ ، وقد فَعَلُوا مثلَ ذلكَ في الواوِ ؛ وأنْشَدَ الفرَّاء :
هَجَوْتَ زَبَّانَ ثم جِئْتَ مُعْتَذِراً |
|
من هَجْو زَبَّانَ لم تَهْجُو ولم تَدَع (٧) |
ومنها : ياءُ نِداءِ ما لا يُجيبُ تَشْبِيها بِمَنْ يَعْقِلُ ؛ ونَصّ التّهْذيبِ : تَنْبيهاً لمَنْ يَعْقِلُ مِن ذلكَ وهو الصَّوابُ ؛ كقوله تعالى : يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ (٨) ؛ وقوله تعالى : يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ (٩) ، والمَعْنى أَنَّ اسْتِهْزاءَ العِبادِ بالرُّسُلِ صارَ حَسْرةً عليهم فنُودِيَتْ تلْكَ الحَسْرةُ تَنْبيهاً للمُتَحَسِّرينَ ، المَعْنى (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) أَينَ أَنتِ فهذا أَوانُكِ ، وكذلكَ ما أَشْبَهه.
ومنها : ياءُ الجَزْمِ المُرْسَلِ ، كقولك : أَقْصِ (١٠) الأمْرَ ، وتُحْذَفُ لأنَّ قَبْلَها كَسْرةً تَخْلُفُها ، أَي تخلُفُ منها.
ومنها : ياءُ الجَزْمِ المُنْبَسِطِ ، كقولك : رأَيْتُ عَبْدَيِ اللهِ ، ومَرَرْتُ بِعَبْدَيِ اللهِ ، لم تَسْقُطْ لأنَّه لا خَلَفَ عنها ، أَي لم تَكُنْ قَبْل الياءِ كَسْرَة وتكونُ عِوَضاً منها فلم تَسْقُط وكُسِرتْ لإلْتِقاءِ الساكنين.
وقد خَتَمَ المصنِّفُ كتابَهُ بقولِه : لا خَلَفَ عنها ؛ والظاهِرُ أنَّه قَصَدَ بذلكَ التَّفاؤُل كما فَعَلَه الجَوْهرِي ، رَحِمَه اللهُ تعالى ، حيثُ خَتَم كتابَه بقولِ ذي الرُّمَّة :
أَلا يا أسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البلى |
|
ولا زالَ مُنْهلًّا بجَرْعائِكِ القَطْرُ |
فإنَّه قَصَدَ ذلكَ تَقُاؤلاً به. وتَبِعَه صاحِبُ اللِّسانِ فختَمَ كتابَهُ أَيْضاً بما خَتَم به الجَوْهرِي رَجاءَ ذلكَ التَّفاؤُل ، وقد خَتَمْنا نحنُ أَيْضاً كتابَنا تَفاؤُلاً. (وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) حَمْداً يفوقُ حَمْد الحامدِين ، وصلَّى الله على سيِّدنا ومَوْلانا محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمعين.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
ياءُ الإشْباعِ في المَصادِرِ والنُّعوتِ ، كقولك : كاذَبْتُه كِيذَاباً وضارَبْتُه ضِيرَاباً ، أَرادَ كِذاباً وضِراباً. وقال الفرَّاء : أَرادُوا الألِفَ التي في ضارَبْتُه في المصْدرِ فجعَلُوها ياءً لكَسْرةِ ما قَبْلها.
ومنها : ياءُ الإعْرابِ في الأسْماءِ نحو : ربِّ اغْفِر لي ولأَبي ، و (لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي).
ومنها : ياءُ الاسْتِقْبالِ في حالِ الإخْبارِ ، نحو يَدْخُلُ ويَخْرجُ.
__________________
(١) في التهذيب : يفعلون.
(٢) اللسان والتهذيب بدون نسبة.
(٣) قوله : (أي : الثعالِب) في القاموس ، وقد سها الشارح فاعتبره خارج القاموس.
(٤) اللسان والتهذيب.
(٥) اللسان والتهذيب والبيت لقيس بن زهير ، شرح الشواهد للسيوطي ص ١١٣ ، وصدر البيت من شواهد القاموس وقد سها الشارح ولم يعتبره منه إما سهواً منه أو من الناسخ.
(٦) اللسان والتهذيب.
(٧) اللسان والتهذيب بدون نسبة.
(٨) سورة يس ، الآية ٣٠.
(٩) سورة هود ، الآية ٧٢.
(١٠) في القاموس : «اقْضِ» وفي التهذيب : أقضى.