وقال الفرَّاء في قولهِ تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١).
دَخَلَتِ الباء للمُبالَغَةِ في المَدْحِ ؛ وكَذلكَ قولهم : ناهِيكَ بأَخِينا ؛ وحَسْبُك بصَدِيقِنا ، أَدْخَلُوا الباءَ لهذا المَعْنى ، قالَ : ولو أَسْقَطت الباءَ لقُلْتَ كَفَى الله شَهِيداً ، قالَ : ومَوْضِعُ الباءِ رَفْعٌ ؛ وقال أبو بكْرٍ : انْتِصابُ قولهِ (شَهِيداً) على الحَالِ مِن الله أَو على القَطْعِ ، ويجوزُ أن يكونَ مَنْصوباً على التَّفْسيرِ ، مَعْناهُ كَفَى بالله مِن الشَّاهِدين فيَجْرِي في بابِ المَنْصوباتِ مَجْرى الدِّرْهَم في قولهِ : عنْدِي عِشْرونَ دِرْهماً.
وحَرَكَتُها الكَسْرُ ؛ ونَصُّ الجَوْهري : الباءُ حَرْفٌ مِن حُروفِ الشَّفَةِ بُنِيَتْ على الكَسْرِ لاسْتِحالَةِ الابْتِداءِ بالمَوْقُوفِ.
قال ابنُ برِّي : صوابُهُ بُنِيَتْ على حَرَكَةٍ لاسْتِحالَةِ الابْتِداءِ بالسَّاكِنِ ، وخَصَّه بالكَسْر دونَ الفَتْح تَشَبهاً بعَمَلِها وفرقاً بينها وبينَ ما يكونُ اسْماً وحَرْفاً.
وقيلَ : الفتحُ مع الظَّاهِرِ ، ونحوُ مُرَّ بزَيدٍ ؛ قال شيْخُنا : هذا لا يكادُ يُعْرَفُ وكأنَّه اغْتَرَّ بما قالوه في بالفضل ذو فضلكم الله به في به الثانية المَنْقُولَة من بها وهي نقلوا فيها فَتْحَة هاءِ التَّأْنيثِ على ما عرفَ بل الكَسْرة لازِمَة للباءِ المُناسِبَة عَمَلها وعكس تَفْصِيلَه ذَكَرُوه في اللامِ ، وهو مَشْهورٌ ، أَمَّا الباء فلا يُعْرَفُ فيه إلَّا الكَسْر ، انتَهَى.
قُلْتُ : هذا نقلَهُ شَمِرٌ قالَ : قال الفرَّاء : سَمِعْتُ أَعْرابيًّا يقولُ : بالفَضْل ذو فضلكم الله به والكرامة ذات أَكْرَمَكُم الله بها ، وليسَ فيه ما اسْتَدَلَّ به شيْخُنا ، فتأَمَّل.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
الباءُ تُمَدُّ وتُقْصَرُ ، والنِّسْبَةُ باوِيٌّ وبائِيٌّ ، وقصيِدة بَيوِيَّة : رَوِيّها الباءُ.
وبَيّيْتَ باءً حَسَناً وحَسَنَةً.
وجَمْعُ المقصورِ : أبواءٌ ؛ وجَمْعُ المَمْدودِ : باآتٌ.
والباءُ النِّكاحُ. وأَيْضاً : الرَّجُلُ الشَّبِقُ.
وتأْتي الباءُ للعوضِ ، كقولِ الشاعرِ :
ولا يُؤَاتِيكَ فيمَا نابَ من حَدَثٍ |
|
إلَّا أَخُو ثِقَةٍ فانْظُر بمَنْ تَثِق |
أَرادَ : مَنْ تَثِقُ به.
وتَدْخلُ على الاسْمِ لإرادَةِ التَّشْبيهِ كقولِهم : لقيت بزَيْدٍ الأَسَد ؛ ورأَيْتُ بفلانٍ القَمَرَ.
وللتَّقْليلِ : كقولِ الشاعرِ :
فلئن صرتَ لا تحير جواباً |
|
أَبمَا قد تَرَى وأَنْتَ خَطِيبُ |
وللتَّعْبيرِ ، وتَتَضَمَّن زِيادَةَ العِلْم ، كقوله تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) (٢).
وبمعْنَى مِن أجْل ، كقولِ لبيدٍ :
غُلْبٌ تَشَذَّرَ بالذُّحُولِ كأَنَّهم |
|
جِنُّ البَدِيِّ رَواسِياً أَقْدامُها (٣) |
أَي مِن أَجْلِ الذّحُول ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.
قد أُضْمِرَتْ في : الله لأَفْعَلَنَّ ، وفي قولِ رُؤْبَة : خَيْر لمَنْ قالَ له كيفَ أَصْبَحْت.
وفي الحديثِ : «أَنا بها أَنا بها» ، أَي أنا صاحِبُها. وفي آخر : «لَعلَّكَ بذلكَ» ، أَي المُبْتَلى بذلك. وفي آخر : «مَنْ بِك؟» أَي مَنْ الفاعِلُ بِك. وفي آخر : «فبها ونِعْمَتْ» ، أَي فبالرُّخْصةِ أَخَذَ.
وقد ، تُبْدَلُ مِيماً كبَكَّة ومَكَّة ولازِبٌ ولازِمٌ.
[التاء] : التَّاءُ : حَرْفُ هِجاءٍ من حُروفِ المُعْجم ، لَثَويٌّ من جوارِ مَخْرجِ الطاءِ يُمَدُّ ويُقْصَر. والنِّسْبَةُ إلى المَمْدودِ تائِيٌّ ، وإلى المَقْصورٍ تاوِيٌّ ، والجَمْعُ أَتواءٌ. وقَصِيدَةٌ تائِيَّةٌ ؛ ويقالُ : تاوِيَّةٌ ؛ وكانَ أَبو جَعْفرٍ الرُّواسِيّ يقولُ تَيَوِيَّةٌ ، بالتّحْريكِ ، رَوِيُّها التاءُ. وقالَ أَبو عبيدٍ عن الأحْمر : تاوِيَّةٌ ، قال : وكَذلكَ أَخواتُها.
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ٧٩.
(٢) سورة الحجرات ، لآية ١٦.
(٣) ديوانه ط بيروت ص ١٧٧ واللسان والصحاح.