قالَ أَبو بكْرٍ : والاخْتِيارُ عنْدِي في تَقِيّ أنَّه مِن الفِعْل فَعِيل ، فأَدْغموا التَّاءَ الأُولى في الثَّانيةِ ، والدَّليلُ على هذا قولُهم : من أَتْقِياءَ ، كما قالوا وَلِيٌ مِن الأوْلياء ؛ ومن قالَ : هو فَعُولٌ قالَ : لمَّا أَشْبه فَعِيلاً جُمِعَ كجَمْعه.
وتُقَواءَ ، وهذه نادِرَةٌ ، ونَظِيرُها سُخَواء وسُرواء ، وسِيْبَوَيْه يمنَعُ ذلكَ كُلّه.
وقولهُ تعالى : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١) ؛ تأْوِيلُه إنِّي أَعوذُ بالله ، فإنْ كنتَ تَقِيًّا فسَتَتَّعِظ بتَعَوُّذِي بالله منكَ.
والأُوقِيَّةُ ، بالضَّمِّ مع تَشْديدِ الياءِ ، وَزْنُه أُفْعُولَة ، والألِفُ زائِدَةٌ وإن جَعَلْتها فُعْلِيَّة فهي من غيرِ هذا البَابِ ؛ واخْتُلِفَ فيها فقيلَ : هي سَبْعَةُ مثاقِيلَ زِنَتُها أَرْبَعْونَ دِرْهماً ؛ وهكذا فُسِّر في الحديثِ ، وكذلكَ كانَ فيمَا مَضَى ؛ كما في الصِّحاح ؛ ويَعْني بالحديثِ : لم يُصْدِق امْرأَةً مِن نِسائِه أَكْثَرَ مِن اثْنَتي عشرَةَ أُوقِيَّةً ونَشٍّ ؛ قالَ مجاهد : هي أَرْبَعُونَ دِرْهماً والنَّشُّ عِشْرونَ.
وفي حديثٍ آخر مَرْفُوع : «لا صَدَقَة في أَقَلّ مِن خَمْس أَواقٍ» ؛ وهي في غيرِ الحديثِ نِصْف سُدُس الرّطْلِ ، وهي جزءٌ من اثْني عَشَرَ جُزْءاً ، ويَخْتَلِفُ باخْتِلافِ اصْطِلاحِ البِلادِ.
وقال الجَوْهري : فأمَّا اليوم فيمَا يَتعارَفُها الناسُ ويُقَدِّر عليه الأطبَّاء فالأُوقِيَّة عنْدَهُم وَزْن عَشرَة دَرَاهِم وخَمْسَة أَسْباعِ دِرْهَهم ، وهو إسْتار وثُلُثا إسْتارٍ كالوُقِيَّةِ ، بالضَّمِّ وكسْر القافِ وفتح المثناةِ التَّحتيةِ مشدَّدةً (٢) ؛ رُبَّما جاءَ في الحديثِ ، وليسَتْ بالعالِيَةِ ، وقيلَ : لُغَةٌ عاميَّةٌ ، وقيلَ : قَلِيلةٌ ؛ ج أَواقِيُّ ، بالتَّشْديدِ ، وإن شئت خفَّفْت فَقُلْت : أواقٍ* مثل أثْفِيَّة وأثافيَّ وأثافٍ وجَمْع الوقِيَّة وَقايا.
ومِن المجازِ : سَرْجٌ واقٍ بَيِّنُ الوِقاءِ ، ككِساءٍ ، وعليه اقْتَصَر الجَوْهرِي والزَّمَخْشري ، زادَ اللّحْياني وَوَقِيٌّ ، كغَنِيٍّ ، بَيِّن الوُقِيِّ ، كصُلِيٍّ ، أَي غيرِ مِعْقَرٍ ؛ وفي التّهْذِيبِ : لم يَكُنْ مِعْقَراً ، وما أَوْقاهُ ، وكَذلكَ الرَّحْل.
ومِن المجازِ : وَقِيَ الفَرَسُ مِن الحَفَا يَقِي وَقْياً ، كوَجِيَ ، عن الأصْمعي ، فهو واقٍ إذا كانَ يَهابُ المَشْيَ مِن وَجَعٍ يَجِدُه في حافِرِ ؛ وقيلَ : إذا حَفِيَ مِن غِلظِ الأرضِ ورِقَّةِ الحافِرِ فوَقَى حافِرُه المَوْضِعَ الغَلِيظَ ، قالَ امْرؤُ القَيْس :
وصُمٍّ صِلابٍ ما يَقِينَ مِنَ الوَجَى |
|
كأَنَّ مَكانَ الرِّدْفِ منْه علَى رالِ (٣) |
وقالَ ابنُ أَحْمر :
تَمْشِي بأَوْظِفةٍ شِدادٍ أَسْرُها |
|
شُمِّ السَّنابِكِ لا تَقِي بالجُدْجُدِ (٤) |
أَي لا تَشْتَكي حُزونَةَ الأرضِ لصَلابَةِ حَوافِرِها ؛ وفي بعضِ النسخِ ووَقَى مِن الحَفَا كوَجَى ، بالتّنْوينِ فيهما.
وفي كتابِ أَبي عليٍّ : يقالُ. بالفَرَسِ وَقًى مِن ظلعٍ إذا كانَ يَظْلعُ.
والواقِي : الصُّرَدُ ؛ قالَهُ أَبو عبيدَةَ في بَابِ الطِّيرَةِ ووَزَنَه بالقاضِي ، كما في التهذِيبِ ؛ وأَنْشَدَ المُرَقّش :
ولَقَدْ غَدَوْتُ وكنتُ لا |
|
أَغْدُو على واقٍ وحاتِمْ |
وإذا الأشائِمُ كالأَيا |
|
مِن والأيامِنُ كالأشائِمْ (٥) |
وقال أبو الهَيْثم : قيلَ للصُّرَدِ واقٍ لأنَّه لا يَنْبَسِط في مَشْيهِ ، فشْبِّه بالواقِي مِن الدَّوابِّ إذا حَفِيَ.
وفي المِصْباح : هو الغُرابُ ، وبه فَسَّر بعضُهم قولَ المُرَقّش.
وفي الصِّحاح : ويقالُ هو الوَاقِ ، بكَسْر القافِ بِلا ياءٍ ،
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ١٨.
(٢) بعدها زيادة في القاموس. سقطت في نسخ الشارح. ونصها : وأَرْبَعُونَ دِرْهَماً.
(*) كذا ، وبالأصل : وأواق.
(٣) ديوان ط بيروت ص ١٤٣ واللسان.
(٤) اللسان والتهذيب.
(٥) اللسان والتهذيب منسوبين للمرقش ، وفيهما «فإذا» بدل «وإذا».