قال ابنُ برِّي عنْدَ قَوْله مِثْل قَضَى يَقْضِي : أَدْخَل هَمْزَة الوَصْل على تَقى ، والتاء مُتَحرَّكَة ، لأنَّ أَصْلَها السّكونُ ، والمَشْهورُ تَقى يَتْقِي مِن غَيْرِ هَمْزةِ وَصْل لتحرّكِ التاءِ ، وقال أَيْضاً : الصَّحِيحُ في بيتِ الأَسَدِي وبيتِ خُفاف يَتَقي وأَتَقي ، بفَتْح التاءِ لا غَيْر ، قالَ : وقد أَنْكَر أَبو سعيدٍ تَقَى يَتْقي تَقْياً ، وقال : يلزمُ في الأمْرِ اتْقِ ، ولا يقالُ ذلك ، قالَ : وهذا هو الصَّحيحُ.
ثم قالَ الجَوْهري : وتقولُ في الأمْر : تَقْ ، وللمَرْأةِ : تَقي : قالَ عبدُ الله بنُ هَمَّام السَّلُولي :
زِيادَتَنَا نَعْمانُ لا تَنْسَيَنَّها |
|
تَقِ الله فِينا والكتابَ الذي تَتْلُو (١) |
بَنَى الأَمْرَ على المُخفَّف ، فاسْتَغْنى عن الألفِ فيه بحرَكَةِ الحَرْفِ الثاني في المُسْتَقبل ، انتَهَى ؛ وأَنْشَدَ القالِي :
تَقي الله فيه أُمُّ عَمْروٍ ونِوِّلي |
|
مُوَدَّتَه لا يَطْلبنكِ طالِبُ |
وقولهُ تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) (٢). أَي اثْبُت على تَقْوى الله ودُمْ عليها.
وفي الحديثِ : «إنَّما الإمامُ جُنَّة يُتَّقى بهِ ويُقاتَلُ مِن ورائه» ، أَي يُدْفَعُ به العَدُوُّ ويُتَّقى بقُوَّتهِ.
وفي حديثٍ آخر : «كنَّا إذا احْمَرَّ البَأْسُ اتَّقَيْنا برَسُولِ الله صلىاللهعليهوسلم» ، أَي جَعَلْناه وِقايَةً لنا مِن العَدُوِّ واسْتَقْبَلْنا العَدُوَّ به وقُمْنا خَلْفَه وِقايةً.
وفي حديثٍ آخر : «وهل للسَّيْفِ مِن تَقِيَّةٍ؟ قالَ : نَعَمْ ، تَقِيَّة على أَقْذاذٍ (٣) وهُدْنَةٌ على دَخَنٍ» ، يَعْني أَنَّهم يَتَّقُونَ بعضُهم بعضاً ويُظْهِرُونَ الصُّلْحَ والاتِّفاق ، وباطِنُهم بخِلافِ ذلكَ.
وفي التّهْذيب : اتَّقى كانَ في الأصْلِ اوْتقى ، والتاءُ فيها تاءُ الافْتِعالِ ، فأُدْغِمت الواوُ في التاءِ وشُدِّدَتْ فقيلَ اتّقْى ، ثم حَذَفُوا أَلِفَ الوَصْل والواو التي انْقَلَبَتْ تاءً فقيلَ تَقى يَتْقي بمعْنَى اسْتَقْبل الشيءَ وتَوَقَّاهُ ، وإذا قالوا : تقى (٤) يَتَّقي فالمَعْنى أنَّه صارَ تَقِيًّا ، ويقالُ في الأوَّل تَقى يَتْقي ويَتْقَى.
والاسْمُ التَّقْوَى ، وأَصْلُه تَقْياً ، التاءُ بدلٌ مِن الواوِ ، والواوُ بدلٌ من الياءِ ؛ وفي الصِّحاح : التَّقْوَى والتَّقَى واحِدٌ ، والواوُ مُبْدلَةٌ من الياءِ على ما ذَكَرْناه في رِيَا ، انتَهَى ؛ قَلَبُوهُ للفَرْقِ بين الاسْمِ والصِّفةِ كخَزْي وصَدْيا.
وقالَ ابنُ سِيدَه : التَّقْوَى أَصْلُه وَقْوَى ، وهي فَعْلَى من وَقَيْتُ ؛ وقالَ في موضِعٍ آخر أَصْلُه وَقْوَى مِن وَقَيْتُ ، فلمَّا فُتِحَت قُلِبَتِ الواوُ تاءً ، تُرِكَتِ التاءُ في تَصْرِيف الفِعْل على حالِها.
قال شيخنا : وقد اخْتُلِفَ في وَزْنِه فقيلَ : فَعُول ، وقِيلَ فَعْلى ، والأوَّل هو الوَجْه لأنَّ الكَلمةَ يائِيَّةٌ كما في كثيرٍ مِن التَّفاسِيرِ ، ونَظَرَ فيه البَعْضُ واسْتَوْعَبَه في العِنايَةِ.
وقولهُ ، عزوجل : هُوَ أَهْلُ (التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٥) أَي هو أَهْلُ أَنْ يُتَّقَى عِقابُه ، وأَهْلُ أَن يُعْمَلَ بما يُؤَدِّي إلى مَغْفِرَتِه.
وقولهُ تعالى : (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٦) ؛ أَي جَزاءَ تَقْواهُم ، أو أَلْهَمَهُم تَقْواهُم.
ورجُلٌ تَقِيٌّ ، كغَنِيٍّ ؛ قال ابنُ دُرَيْدٍ : مَعْناهُ أنَّه مُوَقٍّ نَفْسَه مِن العَذابِ والمَعاصِي بالعَمَلِ الصَّالحِ ، مِن وَقَيْتُ نَفْسِي أَقِيها.
قالَ النّحويون : والأصْلُ (٧) وقى ، فأَبْدلوا مِن الواوِ الأُولى تاءً كما قالوا مُتَّزِر ، والأصْلُ مُوتَزِر ، وأَبْدلُوا مِن الواوِ الثَّانيةِ ياءً وأَدْغَمُوها في الياءِ التي بعْدَها ، وكَسَروا القافَ لتصبح الياء.
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) الآية الأولى من سورة الأحزاب.
(٣) في اللسان : الأقذاء.
(٤) في اللسان : اتّقى.
(٥) سورة المدثر ، الآية ٥٦.
(٦) سورة محمد ، الآية ١٧.
(٧) في اللسان : وقُويٌ.