ولذلكَ سُمِّي يُوحَنا الإِسْكَنْدراني يحيى (١) النَّحوي الذي كانَ حصلَ له مِنَ المَعْرفةِ بلُغَةِ اليُونانِيِّين ؛ ا ه.
وقال ابنُ سِيدَه : أُخِذَ مِن قوْلِهم انْتَحاهُ إذا قَصَدَه إنَّما هو انْتِحاءُ سَمْتِ كَلامِ العَرَبِ في تَصَرُّفه مِنْ إعْرابٍ وغيرِهِ كالتَّثْنِيةِ والجَمْع والتَّحْقيرِ والتّكْسيرِ (٢) والإضافَةِ والنَّسَبِ وغيرِ ذلكَ ليَلْحَقَ به مَنْ ليسَ مِن أَهْلِ اللغَةِ العَربيَّةِ بِأَهْلِها في الفَصاحَةِ فيَنْطِق بها ، وإن لم يَكُنْ منهم ، أَو إنْ شَدَّ بعضُهم عنها رُدَّ به إليها ، وهو في الأصْل مَصْدرٌ شائِعٌ أَي نَحَوْتُ نَحْواً كقَوْلكَ. قَصَدْتُ قَصْداً ، ثم خُصَّ به انْتِحاءُ هذا القَبِيل مِن العِلْم ، كما أنَّ الفِقْهَ في الأصْلِ مَصْدَرُ فَقِهْتُ الشيءَ أَي عَرَفْته ، ثم خُصَّ به عِلْم الشَّريعَةِ مِنَ التَّحْليلِ والتَّحْريمِ ، وكما أنَّ بيتَ الله ، عزوجل خُصَّ به الكَعْبةُ ، وإن كانتُ البيوتُ كُلّها للهعزوجل.
قال : وله نظائِرُ في قَصْر ما كانَ شائِعاً في جنْسِه على أَحَدِ أنْوَاعهِ ؛ ا ه.
قال شيْخُنا واسْتَظْهَرَ هذا الوَجْه كثيرٌ مِن النّجَّاةِ ، وقيل ؛ هو مِن الجهَةِ لأنَّه جهَةٌ مِن العلومِ ؛ وقِيلَ لقَوْلِ عليِّ ، رضِيَ الله تعالى عنه ، بَعْدَ ما عَلَّم أَبا الأسْوَد الاسْمَ والفِعْلَ وأَبْواباً مِنَ العَربيَّةِ : «انْحُ على هذا النّحْو» ؛ وقيلَ غيرُ ذلك ، ممَّا هو في أَوائِلِ مُصَنَّفَاتِ النّحْوِ.
وفي المُحْكم : بَلَغَنا أنَّ أَبا الأسْود وَضَعَ وُجُوه العَربيَّةِ ، وقال ، للناسِ انْحُوا نْحُوه ، فسُمِّي نَحْواً ؛ وجَمْعُه نُحُوٌّ ، كعُتُلِّ ، كذا في النسخِ ، ونَسِيَ هنا قاعِدَةَ اصْطِلاحِهِ ، وهو الإشارَةُ بالجيمِ للجَمْع ، وسُبْحان مَنْ لا يَسْهُو ؛ وتقدَّمَ الكَلامُ فيه قرِيباً.
وأَطالَ ابنُ جنِّي البَحْثَ فيه في كتابةِ شرح التَّصْريف المُلوكي.
قالَ الجَوْهري : وحُكي عن أعْرابي أَنَّه قال : إنَّكُم لتَنْظُرُونَ في نُحُوٍّ كثيرَةٍ ، أَي في ضُروبٍ مِن النَّحْوِ. ويُجْمَعُ أَيْضاً على نُحِيَّةٍ ، كدَلْو ودُلِيَّةٍ ، ظاهِرُ سِياقِه أنَّه جَمْعٌ لنَحْو ، وهو غَلَطٌ والصَّوابُ فيه أنَّه أَشارَ به إلى أنَّ النَّحْوَ يُؤَنَّثُ ، ونظره بدَلْوٍ ودُلِيَّةٍ ، لأنَّ التَّصْغيرَ يَردُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها.
قال الصَّاغاني في التكْملَةِ : وكان أَبو عَمْرو الشَّيْباني يقولُ : الفُصَحاءُ كُلُّهُم يُؤَنِّثُونَ النَّحْوَ فيقولونَ : نَحْوٌ ونُحَيَّة ، مِيزَانُه دَلْوٌ ودُلِيَّةٍ ؛ قالَ : أَحْسَبُهم ذَهَبُوا بتَأْنِيثِها إلى اللّغَةِ ، ا ه. فانْظُر هذا السِّياقِ يَظْهَرُ لكَ خبطَ المصنِّفِ.
نَحاهُ يَنْحُوه ويَنْحاهُ نَحْواً : قَصَدَه كانْتَحاهُ ؛ ومنه حديثُ حرامِ بنِ ملْحان : «فانْتَحَى له عامِرُ بنُ الطُّفَيْل فقَتَلَه» ، أَي عَرَضَ له وقَصَدَ. وفي حديثٍ آخر : «فانْتَحاه رَبيعَةُ» أَي اعْتَمَدَه بالكَلام وقَصَدَه.
ورجُلٌ ناحٍ مِن قومٍ نُحاةٍ : أَي نَحْوِيٌّ ، وكأنَّ هذا إنَّما هو على النَّسَبِ كقولكَ تامِرٌ ولابِنٌ.
ونَحا الرَّجُل : مالَ على أَحَدِ شِقَّيْه ؛ أَو انْحَنَى في قَوْسِهِ. وتَنَحَّى له : اعْتَمَدَ ؛ وأنْشَدَ ابنُ الأعْرابي :
تَنَحَّى له عَمْرٌو فشَكَّ ضُلُوعَه |
|
بمُدْرَنْفِقٍ الجَلْحاء والنَّقْعُ ساطِعُ |
ومنه حديثُ الحَسَن : «قد تَنَحَّى في بُرْنُسِه وقامَ اللَّيْلَ في حِنْدِسِ» ، أَي تَعَمَّدَ العِبادَةَ وتوجَّه لها وصارَ في ناحِيَتِها وتجنَّبَ النَّاسَ وصارَ في ناحِيَةٍ منهم. وفي حديثِ الخضر ، عليهالسلام : وتَنَحَّى له ، أَي اعْتَمَدَ خَرْقَ السَّفِينَة.
كانْتَحَى في الكُلِّ مِن. المَيلِ والانْحِناءِ والتَّعَمُّدِ ؛ وفي حديثِ ابنِ عُمَر : «أَنَّه رأَى رجُلاً يَتَنَحَّى في سُجودِهِ فقال : لا تَشِينَنَّ صُورَتَكَ.
وقال شَمِرٌ : الانْتِحاءُ في السُّجودِ الاعْتِمادُ على الجَبْهةِ والأَنْفِ حتى يُؤَثِّر فيها ذلكَ.
وقال الأزْهري في ترْجمة ، «ترح» (٣) عن ابنِ مُناذِر :
__________________
(١) عن التهذيب واللسان وبالأصل «يحنى».
(٢) في اللسان. والتكبير.
(٣) التهذيب ٤ / ٤٣٩ مادة ترح.