فَمِنْ بَابِ رِيحٍ وأَرْوَاحٍ إِذا لَمْ نَسْمَعَ أَفْيَاهاً ، وأَمَّا كَوْنُهُ جَمعَ الفاهِ ، فَإِنَّ الاشْتِقَاقَ يُؤْذِنُ أَنَّ فَاهاً مِنَ الوَاوِ لِقَوْلِهِمْ مُفَوَّهٌ ، وأَمَّا كَوْنُهُ جَمعَ فُوهة فَعَلى خِلَافِ القِيَاسِ كَمَا سَيَأْتِي.
وأَفْمَامٌ ، واخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْعُ فَمِّ ، مُشَدَّد المِيمِ ، حَكَاهُ اللّحْيَانِي ، وَنَقَلَهُ شَارِحُ التَّسْهِيلِ ، واسْتَدَلَّ أَرْبَابُ هذا القَوْلِ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ :
يَا لَيْتَهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ فُمِّهِ |
|
حَتَّى يَعُودَ المُلْكَ فِي أُسْطُمِّهِ (١) |
يُرْوَى بِضَمِّ الفَاءِ ، وَفَتْحِهَا ، عَنْ أَبَي زَيْدٍ ؛ وَمَنَعَهُ الأَكْثَرُونَ.
فَقَالَ ابنُ جِنيِّ فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ : إِنَّا لَمْ نَسْمَعْهُمْ يَقُولُونَ أَفْمَام.
وَتَقَدَّم لِلْجَوْهَرِيِّ فِي المِيمِ : وَلَا تَقُلْ أَفْمَام.
وَتَبِعهما الحَرِيري فِي درَّةِ الغَوَّاصِ.
ومنهم مَنْ قَالَ : إِنَّ أَفْماماً لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ إِلَّا أَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهَا مَلْفُوظاً عَلى القِيَاسِ لأَنَّ فَمَاً أَصْلُه فَوَهٌ ، بِالتَّحْرِيكِ أَو بِالتَّسْكِينِ ، كَمَا يَأْتِي عن ابنِ جِنِّي ، حُذِفَتِ الهَاءُ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ سَنَةٍ فِيمَنْ قَالَ عَامَلْتُهُ مُسَانَهةً ، وَكَمَا حُذِفَتْ مِنْ شَاةٍ وَعِضَةٍ وَمِنْ اسْتٍ ، وَبِقَيتِ الواوُ طَرَفاً مُتَحَرِّكَة ، فَوَجَبَ إِبْدالُهَا أَلْفاً لانْفِتَاحِ ما قَبْلَهَا فَبَقِيَ فاً ، ولَا يَكُونُ الاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحْدُهما التَّنْوِينُ ، هكذا هو نَصُّ المُحْكَمُ ، قَالَ شَيْخُنَا : الصَّوَابُ : أَحدهما الأَلف ؛ فَأُبْدِلَ مَكَانَهَا حَرْفٌ جَلْدٌ مُشَاكِلٌ لَهَا وهو الميمُ لأَنَّهما شَفَهِيَّتَانِ ، وفي المِيمِ هُوِيٌّ في الفَمِ يُضَارعُ امْت ٢ دادَ الواوِ.
وقالَ أَبو الهَيْثم : العَرَبُ تَسْتَثْقلُ وُقوفاً على الهاءِ والحاءِ والواوِ والياءُ إِذا سَكَنَ ما قَبْلَها ، فتَحْذِفُ هذه الحُروفَ وتُبْقِي الاسمَ على حَرْفَينِ كما حَذَفُوا الواوَ مِن أَبٍ وأَخٍ وغَدٍ وهَنٍ ، والياءَ من يَدٍ ودَم ، والحاءَ من حِرٍ ، والهاءَ من فُوهٍ وشَفةٍ وشاةٍ ، فلمَّا حَذَفُوا الهاءَ من فُوهٍ بَقِيَتِ الواوُ ساكِنَةً ، فاسْتَثْقلُوا وُقوفاً عليها فحَذَفُوها ، فَبَقِي الاسمُ فاوَحْدها (٢) فوَصَلُوها بميمٍ ليَصِيرَ حَرْفَيْن ، حَرْفٌ يُبْتدأُ به فيُحرَّك ، وحَرْفٌ يُسْكَتُ علَيه فيُسَكَّن.
قالَ ابنُ جنِّي : وإِذا ثَبَتَ أَنَّ عينَ فَمٍ في الأَصْلِ واوٌ فيَنْبَغي أَن يُقْضَى بسكونِها ، لأنَّ السكونَ هو الأَصْلُ حتى تَقومَ الدَّلالةُ على الحَركَةِ الزائِدَةِ. فإِن قلتَ : فهَلَّا قَضَيْتَ بحركَةِ العَيْنِ لجَمْعِكَ إِيَّاه على أَفْواهٍ ، لأَنَّ أَفْعالاً إِنَّما هو في (٣) الأمْرِ العامِّ جمعُ فَعَلٍ نَحْوِ بَطَلٍ وأَبْطالٍ وقَدَم وأَقْدامٍ ورَسَنٍ وأَرْسانٍ؟ فالجوابُ : أَنَّ فَعْلاً ممَّا عينُه واوٌ بابُه أَيْضاً أَفْعال ، وذلك سَوْطٌ وأَسْواطٌ ، وحَوْضٌ وأَحْواضٌ ، وطَوْقٌ وأَطْواقٌ ، ففَوْهٌ لأَنَّ عيْنَه واوٌ أَشْبَه بهذا منه بقَدَمٍ ورَسَنٍ.
* قُلْتُ : وبه جَزَمَ الرضى والجوْهرِيُّ وغيرُهُما. وفي الهمع : أَنَّه مَذْهَبُ البَصْرِيَّة ، فجَمْعُه على أَفْواهٍ قياسِيّ.
وسِياقُ ابنُ سِيدَه يَقْتَضِي أَنَّه بالتَّحْرِيكِ. وعبارَةُ المصنِّفِ تَحْتملُ الوَجْهَيْن إِلَّا أَنَّ أَفعالاً في فَعْل الأجْوف قَليلٌ ، نَبَّه عليه شيْخُنا.
وقالَ الجوْهرِيُّ : الفُوهُ أَصْلُ قوْلنا فَم لأنَّ الجَمْعَ أَفْواهٌ إِلَّا أَنَّهم اسْتَثْقلُوا الجَمْعَ بينَ هاءَيْن في قوْلِكَ هذا فُوهُه بالإِضافَةِ ، فحَذَفُوا منها الهاءَ فقالوا فُوه وفُو زيْدٍ ، ورأَيْت فَا زيْدٍ ، ومَرَرْت بفِي زيْدٍ ، وإِذا أَضَفْتَ إِلى نفْسِك قُلْتَ : هذا فِيَّ ، يَسْتوِي فيه حالُ الرَّفْع والنَّصْبِ والخَفْضِ ، لأنَّ الواوَ تُقْلَبُ ياءً فتُدْغَم ؛ قالَ : وهذا إِنَّما يقالُ في الإِضافَةِ ، ورُبَّما قالوا ذلك في غيرِ الإِضافَةِ ، وهو قَلِيلٌ ؛ قالَ العجَّاجُ :
خالَطَ مِنْ سَلْمَى خياشِيمَ وفا |
|
صَهْباءَ خُرْطوماً عُقاراً قَرْقَفَا (٤) |
__________________
(١) اللسان.
(٢) في اللسان : فاءً.
(٣) بالأصل : «في» مكررة ، والتصويب عن اللسان.
(٤) اللسان والصحاح والتكملة ، قال الصاغاني : وهو إنشاد مختل مداخل والرواية :
صهباء خرطوماً عقاراً قرقفا |
|
فشن في الإبريق منها نزفا |
من رصف نازع سيلاً وصفا |
|
حتى تناهى في صهاريج الصفا |
خالط من سلمى خياشيم وفا