وفَاقَهَهُ : بَاحثَهُ في العِلْمِ فَفَقَهَهُ ، كَنَصَرَهُ : غَلَبَهُ فِيهِ.
والحَدِيثِ الذي لا طرق له : «لَعَنَ اللهُ النَّائِحَةَ والمُسْتَفْقِهَة» هِيَ : صَاحِبَةُ النَّائِحَةِ الَّتي تُجَاوِبُهَا في قَوْلِهَا لأَنَّهَا تَتَلَقَّفَهُ وَتَتَفَهَّمَهُ (١) فَتُجِيبُهَا عَنْهُ.
وَيُقالُ للشَّاهِدِ : كَيْفَ فَقَاهَتُكَ لِما أَشْهَدْنَاكَ ، وَلَا يُقَالُ في غَيْرِهِ (٢) ، كَمَا في المُحْكَمِ.
أَوْ يُقَالُ في غَيْرِ الشَّاهِدِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلْيِهِ :
قَالَ ابنُ شُمَيْل : أَعْجَبَني فَقَاهَتُهُ أَيْ فِقْهُهُ.
وَكُلُّ عَالِمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فَقِيهٌ.
وفَقِيهُ العَرَبِ : عَالِمُهُمْ.
والفَقْهَةُ : المَحَالَةُ في نُقْرَةِ القَفَا ، قَالَ الرَّاجِزُ :
وتَضْرِبُ الفَقْهَةَ حتى تَنْدَلِقُ (٣)
قال ابنُ برِّي : هو مَقْلُوبٌ مِنَ الفَهْقَةِ.
وَتَفَقَّهَ : تَعَاطَى الفِقْعِ.
وَبَيْتُ الفَقِيهِ : مَدِينَتَانِ باليَمَنِ : إِحْدَاهُمَا المَنْسُوبَةُ إِلَى ابنِ عُجحَيل ، والثَّانِيَةُ : الزَّيْدِيَّة.
[فكه] : الفاكِهَةُ : الثَّمْرُ كُلُّهُ. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ : كُلُّ شَيْءٍ قَدْ سُمِّيَ مِن الثِّمَارِ في القُرْآنِ نَحْوَ التَّمْرِ والرُّمَّانِ فَإِنا لا نُسَمِّيه فاكِهَة ، قَالَ : وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً وَأَكَلَ تَمْراً أَوْ رُمَّاناً لَمْ يَحْنَثْ ، وبه أَخَذَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ) (٤).
وقال الرَّاغِبُ : وَكَأَنَّ قَائِلَ هذا القَوْلِ نَظَرَ إِلِى اخْتصاصِهِمَا بالذِّكْرِ وَعَطْفِهِمَا على الفاكِهَةِ في هذِهِ الآيَةِ.
وأَرَادَ المُصَنِّفَ رَدَّ هَذا الْقَوْلِ تِبْعاً لِلأَزْهَرِيِّ فَقَالَ : وَقَوْلُ مُخْرِجِ التَّمْرِ والعِنَبِ والرُّمَّانِ منهما مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ) بَاطِلٌ مَرْدُودٌ ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ مَبْسُوطاً في كتابي اللَّامِعِ المُعْلَمِ العُجابِ في الجَمْعِ بين المُحْكَمِ والعُبَابِ.
وقد تَعَرَّض لِلْبَحْثِ الأَزْهَرِيُّ فَقَالَ : ما عَلِمْتُ أَحَداً مِنَ العَرَبِ قَالَ : إِنَّ النَّخِيلَ والكُرُومَ ثِمَارُهَا لَيْسَتْ مِنَ الفَاكِهَةِ ، وإِنَّما شَذَّ قَوْلُ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ في هذه المَسْأَلَةِ عَنْ أَقَاوِيلِ جَمَاعَةِ الفُقَهَاءِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ (٥) كان بِكَلَامِ العَرَبِ وَعِلْمِ اللُّغَةِ وَتَأْوِيلِ القُرْآنِ العَرَبِيِّ المُبِين ، والعَرَبُ تَذْكُرُ الأَشْيَاءَ جملةً ثم تخصُّ منها شَيْئاً بالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهاً على فَضْلٍ فيه. قَالَ اللهُ تَعَالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٦) فَمَنْ قَال : إِنْ جِبْريلَ وَمِيكَالَ لَيْسَا مِنَ المَلائِكَةِ لإِفْرَادِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ المَلَائِكَةِ جُمْلَةً فَهُوَ كَافِرٌ ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ ، وَمَنْ قَالَ إِنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ والرُّمَّانِ لَيْسَ فَاكِهَة لإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الفاكهة جُمْلَةً فَهُوَ جَاهِلٌ ، وَهُوَ خِلَافِ المَعْقُولِ وَخِلَافُ لُغَةِ العَرَبِ ، انْتَهَى.
وَرَحِمَ اللهُ الأَزْهَرِيُّ لَقَدْ تَحَامَلَ فِي هذِهِ المَسْأَلَةِ عَلَى الإِمَامِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَقَدْ كَانَ لَهُ فِي الذَّبِّ عَنْهُ مَنْدُوحَة ومهيع واسِع.
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ تَعَرَّضَ الملا عَلَيَّ فِي النَّامُوسِ للجَوابِ فقالَ : هذا الاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ نَقْلاً وَعَقْلاً ، فَأَمَّا النَّقْل فلأَنَّ العَطْفَ يَقْتَضِي المُغَايَرَة ، وأَمَّا العَقْل فلأَنَّ الفَكِهَةَ ما يَتَفَكَّهُ به ويُتَلَذَّذُ من غَيْرِ قَصْدِ الغذاءِ أَوِ الدَّوَاءِ ، ولا شَكَّ أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الغِذاءِ ، والرُّمَّانِ من جُمْلَةِ أَصْنَافِ الدَّوَاءِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا : هذَا كَلَامٌ لَيْسَ فيه كَبِيرُ جَدْوَى ، وَلَيْسَ لِمِثْلِ المُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقْوَالِهِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى أُصُولٍ لَا مَعْرِفَةَ للمصنِّفِ بِها ، ولا لِمِثْلِ القَارِئِ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَوَابِ عَنْهَا بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ مِنَ الرأْي المَبْنِي على مُجَرَّدِ الحَدسِ.
__________________
(١) عن اللسان ، وبالأصل : «تفهمه».
(٢) في القاموس : ولا يقال لغيره.
(٣) اللسان.
(٤) الرحمن ، الآية ٦٨.
(٥) في التهذيب : علمه.
(٦) البقرة ، الآية ٩٨.