وقال أَبو إسْحق : إنَّما جُعِلَ الاسْمُ تَنْويهاً بالدَّلالةِ على المَعْنى لأنَّ المَعْنى تَحْت الاسم ؛ ج أَسْماءٌ كجِذْعٍ وأَجْذاعٍ وقُفْلٍ وأَقْفالٍ.
ومنه قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١) ؛ قيلَ : مَعْناه عَلَّمه أَسْماءَ جَميعِ المَخْلوقات بجَمِيع اللَّغاتِ ، فكانَ صلىاللهعليهوسلم ، وولدُه يتكَلَّمون بها ثم تفرَّق ولدُه في الدُّنيا فعَلِقَ كلٌّ منهم بلُغَةٍ منها فغَلَبَتْ عليه واضْمَحَل عنه ما سِواها لبُعْدِ عَهْدِهم بها ؛ كذا في المُحْكَم.
وقالَ الرَّاغبُ في تفْسيرِ هذه الآية : أَي الألْفاظ والمَعاني ومُفْردَاتها ومُرَكَّباتها ، وبَيانُ ذلكَ أَنَّ الاسْمَ يُسْتَعْمل على ضَرْبَيْن : أَحَدُهما : بحسَبِ الوَضْع الاصْطِلاحي ، وذلكَ هو المُخْبَر عنه نَحْو رَجُل وفَرَس ؛ والثاني : بحسَبِ الوْضع الأَوَّلي ، ويقالُ ذلكَ للأَنواعِ الثَّلاثَة المُخْبر عنه والخَبَر والرَّابطَة بَيْنهما المُسَمَّى بالحَرْف ، وهذا هو المُرادُ بالآيَةِ لأنَّ آدَمَ كما عَلِمَ الأَسْماء عَلِمَ الفِعْلَ والحَرْفَ ، ولا يَعْرِف الإِنْسانُ الاسْمَ فيكون عارِفاً مُسَمّاه إذا عُرِضَ عليه المُسَمَّى إلَّا إذا عَرَفَ ذاتَه ، أَلا تَرى أَنَّا لو عَلِمْنا أَسَامِي أَشْياء بالهِنْديَّة والرُّومِيَّة ولم نَعْرف صُورَة ما له تلك الأَسْماء لم نَعْرف المُسَمَّيات إذا شاهَدْناها بمعْرِفَتِنا الأَسْماء المُجرَّدَة ، بل كنَّا عارِفِين بأَصْوَات مُجرَّدَةٍ ، فثَبَتَ أنَّ مَعْرفَةَ الأَسْماءِ لا تَحْصَل إلَّا بمعْرِفةِ المُسَمَّى وحُصُول صُوْرَتِهِ في الضَّمِير ، فإذَنْ المُرادُ بقوْلِه تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ، الأَنْواع الثَّلاثَة مِن الكَلامِ وصُورُ (٢) المُسَمَّيات في ذَواتِها ، انتَهَى وهو كَلامٌ نَفِيسٌ.
وأَسْماواتٌ ، حكَاهُ اللَّحْيانيُّ في جَمْع اسمٍ.
وحَكَى الفرَّاءُ واللَّحْياني : أُعِيذُك بأَسْماواتِ اللهِ ؛ ونقلَهُ الأزهريُّ في بابِ الوَاوَات فقالَ : هي مِن وَاوَات الأَبْنِيَة ، وكذا ابناوَاتُ سَعْدٍ.
وقال ابنُ سِيدَه أَشْبه ذلكَ أن يكونَ جَمْع أَسْماءٍ وإلَّا فلا وَجْه له. جج أَي جَمْعُ الجَمْع أَسَامِي وأَسامٍ ، هُما جَمْعُ الأَسْماء ، قالَ الشاعِرُ :
ولنا أَسامٍ ما تُلِيقُ بغَيْرِنا |
|
ومَشاهِدٌ تَهْتَلُّ حِينَ تَرانا |
وقد سَمَّاهُ فُلاناً ، وسَمَّاهُ به بمعْنىً ، أَي جَعَلَهُ اسْماً به وعَلَماً عليه.
قال سيبويه : والأَصْلُ الياء لأنَّه كقوْلِكَ عرَّفْته بهذه العلامَةِ وأَوْضَحْته بها.
وقال اللَّحْياني : سَمَّيْته فُلاناً ، وهو الكَلامُ ويقالُ : أَسْماهُ إِيَّاهُ ؛ وأَنْشَدَ عن بعضِهم :
واللهُ أَسْماكَ سُماً مُبارَكاً
وأسمى به ؛ كذلكَ نَقَلَهُ ابنُ سِيدَه.
وسَمَاهُ إِيَّاهُ يَسْمُوه. وسَمَا به يَسْمُو ؛ الأَوَّلُ (٣) ، يَعْني سَمَاهُ إيَّاهُ بالتَّخْفيفِ ، عن ثَعْلَبٍ لم يَحْكِه غيرُهُ.
وسَمِيُّكَ ، كغَنِيِّ : مَنْ اسْمُهُ اسْمُكَ ؛ وبه فُسِّرَتِ الآيَةُ : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (٤).
قال ابنُ عبَّاس : لم يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَه بيَحْيى.
وقيلَ : سَمِيُّكَ نَظِيرُكَ ومِثْلُكَ ؛ وبه فُسِّرت الآيَةُ أَيْضاً.
وأَمَّا قوْله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٥) ، أَي نَظِيراً له يستَحِقُّ اسْمَه مَوْصوفاً يستَحِقُّ صفَتَه على التَّحْقيقِ ، وليسَ المَعْنى هل تَجِدُ مَنْ يَتَسَمَّى باسْمِه إذ كانَ كثيرٌ مِن أَسْمائِه قد يُطْلَق على غيرِهِ ، لكن ليسَ مَعْناه إذا اسْتُعْمَل فيه كانَ مَعْناه إذا اسْتُعْمل في غيرِهِ ؛ قالَهُ الرَّاغبُ ؛ وقال الشَّاعِرُ :
وكَمْ مِنْ سَمِيِّ ليسَ مِثْلَ سَمِيِّهِ |
|
وإن كانَ يُدْعَى باسْمِه فيُجيبُ (٦) |
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٣١.
(٢) بالأصل «وصورة» والتصحيح عن المفردات.
(٣) في القاموس : «والأول» بزيادة «واو».
(٤) سورة مريم ، الآية ٧.
(٥) سورة مريم ، الآية ٦٥.
(٦) عجزه في اللسان :
من الدهر إلّا اعتاد عيني واشلُ