وفي المِصْباحِ : سُمِّي القَدَر المُخْرَجُ مِن المالِ زَكاةٌ لأنَّه سببٌ يُرْجى به الزَّكاةُ.
وقالَ ابنُ الأثيرِ : الزَّكاةُ في اللُّغَةِ الطَّهارةُ والنَّماءُ والبركةُ والمَدْحُ ، وكلُّ ذلك قد اسْتُعْمِل في القُرْآنِ والحدِيثِ ، ووَزْنُها فَعلةٌ كالصَّدَقَةِ ، فلمَّا تَحرَّكَتِ الواوُ وانْفتَحَ ما قَبْلَها انْقَلَبَتْ ألفاً ، وهي مِنَ الأَسماءِ المُشْتركةِ بينَ المُخْرَج والفِعْل ، فتُطْلَق على العَيْنِ وهي الطَّائفةُ مِن المالِ المُزَكَّى بها ، وعلى المعْنَى ، وهو التَّزْكِية ؛ وبه فُسِّر قوْلُه تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (١) ، فإنَّما المُرادُ به التَّزْكِيَة لا العَيْن ؛ فالزَّكاةُ طُهْرةٌ للأَمْوالِ وزَكاةُ الفِطْرِ طُهْرةٌ للأَبْدانِ ، انتَهَى.
وأَجْمَع ما رأَيْت في هذا الحَرْف كَلامُ الراغبِ ، رحِمَه الله تعالى في كتابهِ المَفْردَات ، وهذا نَصُّه : أَصْلُ الزَّكاةِ النُّموُّ الحاصِلُ عن بَرَكةِ اللهِ ، عزوجل ، ويُعْتَبر ذلكَ بالأُمورِ الدّنيويَّةِ والأُخْروِيَّةِ ، يقالُ : زَكا الزَّرْعُ يَزْكُو إذا حَصَلَ منه نُموٌّ وبركَةٌ.
وقوْلُه ، عزوجل : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) (٢) ، إشارَة إلى ما يكونُ حَلالاً لا يُسْتَوْخَم عُقْباهُ ؛ ومنه الزَّكاةُ لمَا يُخْرجُه الإِنْسانُ مِن حَقِّ اللهِ ، عزوجل ، إلى الفُقراءِ ، وتَسْمِيَته بذلِكَ لمَا يكونُ فيها مِن رَجاءِ البَركَةِ ، أَو لتَزْكِيةِ النَّفْس ، أَي تَنْمِيتها بالخَيْراتِ والبَرَكاتِ أَو لَهُما جَمِيعاً ، فَإنَّ الخَيْرينِ (٣) مَوْجُودَان فيهما ، وقَرَنَ اللهُ ، عزوجل ، الزَّكاةَ بالصَّلاةِ في القُرْآنِ بقوْلِهِ : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٤) ؛ وبزكَاءِ النَّفْسِ وطَهارَتِها يَصِيرُ الإِنْسانُ بحيثُ يسْتَحقُّ في الدُّنيا الأَوْصافَ المَحْمودَةَ وفي الآخِرَةِ الأَجْرَ والمَثُوبَةَ ، وهو أن يَتحرَّى الإِنْسانُ ما فيه تَطْهِيره ، وذلك يُنْسَبُ تارَةً إلى العَبْد لاكْتِسابه ذلكَ نَحْو قوْلِه ، عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها) (٥) ؛ وتارَةً يُنْسَبُ إلى اللهِ ، عزوجل ، لكوْنِه فاعِلاً لذلِكَ في الحقِيقَةِ نَحْو : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) (٦) ؛ وتارَةً إلى النبيِّ صَلَى الله عليه وسلّم لكوْنه واسِطَة في وُصولِ ذلكَ إليهم نَحْو قوْلِه : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٧) وقوْلُه : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) آياتِهُ (وَيُزَكِّيكُمْ) (٨) ؛ وتارَةً إلى العِبادَةِ التي هي آلَةٌ في ذلِك نَحْو : (وَحَناناً مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً) (٩) ، وقوْله تعالى : (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً) (١٠) زَكِيًّا أَي مُزَكىً بالخِلْقَةِ وذلكَ على طَريقِ ما ذَكَرْناه من الاجْتِباءِ ، وهو أنْ يجعَل بعضَ عِبادِهِ عالِماً (١١) لا بالتَّعَلُّمِ والمُمارَسَةِ ، بل بقوَّةٍ (١٢) إلهيَّةٍ كما يكونُ لكلِّ الأَنْبياءِ والرُّسُل.
ويجوزُ أن يكونَ تَسْمِيَته بالمُزَكّى لمَا يكونُ عليه في الاسْتِقبالِ لا في الحالِ ، والمَعْنى سيُزَكّى ؛ وقوْلُه تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) أي يَفْعلُونَ ما يَفْعلُونَ مِنَ العِبادَةِ ليُزَكِّيهم اللهُ ، عزوجل ، أَو ليُزَكّوا أَنْفُسَهُم ، والمَعْنيانِ واحِدٌ ، وليسَ قَوْلُه عزوجل ، للزَّكاةِ مَفْعولاً لقوْلِهِ (فاعِلُونَ) ، بل اللام فيه للقَصْدِ والعلَّةِ ، وتَزْكِيَة الإِنْسانِ نَفْسه ضَرْبان : أَحَدُهما بالفِعْلِ وهو مَحْمودٌ وإليه قَصَد بقوْلِه تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها) ، وقوْلُه : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى) (١٣).
والثاني بالقَوْلِ كتَزْكِيَةِ العدلِ وغَيره وهو مَذْمُومٌ ، وقد نَهَى اللهُ ، عزوجل عنه بقوْلِهِ : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (١٤) ؛ ونَهْيه عن ذلِكَ تأْدِيباً لقبْحِ مَدْحِ الإِنْسانِ نَفْسه عَقْلاً وشَرْعاً ، ولهذا قيلَ لحكيم : ما الذي لا يحسنُ وإن كان حقّاً؟ فقالَ : مَدْحُ الرَّجُل نَفْسه ، انتَهَى.
والزَّكَاة ، مَقْصوراً : الشَّفْعُ من العددِ ، والخَسَا للفَرْدِ منه ، وقد تقدَّمَ ، قيلَ للشَّفْع زَكاً لأنَّ الزَّوْجَيْن أَزْكَى مِن
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآية ٤.
(٢) سورة الكهف ، الآية ١٩.
(٣) عن المفردات وبالأصل «الخيران» خطأ.
(٤) سورة البقرة ، الآية ٤٣ و ١١٠ وسورة النساء ، الآية ٧٧.
(٥) سورة الشمس ، الآية ٩.
(٦) سورة النور ، الآية ٢١.
(٧) سورة التوبة ، الآية ١٠٣.
(٨) سورة البقرة ، الآية ١٥١ وفيها «آياتِنا».
(٩) سورة مريم ، الآية ١٣.
(١٠) سورة مريم ، الآية ١٩.
(١١) في المفردات : عالماً وطاهر الخُلُق.
(١٢) في المفردات : بل بتوفيق إلهي.
(١٣) سورة الأعلى ، الآية ١٤.
(١٤) سورة النجم ، الآية ٣٢.