إنَّ الحَيَا وَلَدَتْ أَبي وعُمُومَتِي |
|
ونَبَتٌّ في وَسطِ الفُرُوعِ نُضارِ (١) |
* قُلْتُ : وابنُ الحَيَا الذي قالَ فيه الجعْدِيُّ :
جهلت عليّ ابن الحيا وظلمتني |
|
وجمعت قولاً جانبيّاً مضللا |
والحَيَاءُ ، بالمدِّ : التَّوبة (٢) والحِشْمَةُ.
وقال الرَّاغبُ : هو انْقِباضُ النَّفْسِ عن القَبائِحِ.
وقد حَييَ منه ، كرَضِيَ ، حَياءً : اسْتَحْيى ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن أَبي زيْدٍ وأَنْشَدَ :
أَلا تَحْيَوْنَ من تَكْثير قَوْمٍ |
|
لعَلَّاتٍ وأُمُّكُم رَقُوبُ (٣)؟ |
أَي أَلا تَسْتَحْيُونَ.
قالَ : وتقولُ في الجَمْعِ حَيُوا كما يقالُ خَشُوا.
قالَ سِيْبَوَيْه : ذَهَبتِ الياءُ لإلْتقاءِ السَّاكِنَيْنِ لأنَّ الواوَ ساكِنَةٌ وحَرَكَة الياءِ قد زَالَتْ كما زَالَتْ في ضَرَبُوا إلى الضمِّ ، ولم تحرَّك الياء بالضمِّ لثِقْلِه عليها فحُذِفَتْ وضُمَّت الياءُ الباقِيَة لأجْلِ الواوِ.
وقالَ بعضُهم : حَيُّوا ، بالتَّشْديدِ ، تَرَكَه على ما كانَ عليه للإدْغامِ.
واسْتَحْيى* منه ، بياءَيْنِ واسْتَحَى منه ، بياءٍ واحِدَةٍ ، حَذَفُوا الياءَ الأَخيرَةَ كَراهِية الْتِقاءِ الياءَيْن.
وقالَ الجَوهرِيُّ : أَعَلُّوا الياءَ الأُولى وأَلْقُوا حَرَكَتَها على الحاءِ فقالوا اسْتَحَيْتُ اسْتِثْقالاً لمَّا دَخَلَتْ عليها الزَّوائد.
قالَ سِيْبَوَيْه : حُذِفَتْ لالْتِقاءِ الساكِنَيْن لأنَّ الياءَ الأُولى تُقْلَبُ أَلفاً لتحركها ، قالَ : وإنَّما فَعَلُوا ذلكَ حيثُ كَثُرَ في كَلامِهم. وقالَ أَبو عُثْمان المازِنيُّ : لم تُحْذَف لإلْتِقاءِ السَّاكنَيْن لأنَّها لو حُذِفَتْ لذلكَ لرَدّوها إذ قالوا هو يَسْتَحِي ، ولقالوا يَسْتَحِيي.
قالَ ابنُ بَرِّي : قَوْل أَبي عُثْمان مُوافِقٌ لقَوْلِ سِيْبَوَيْه ، والذي حَكَاه عن سِيْبَوَيْه ليسَ هو قَوْله ، وإنَّما هو قَوْلُ الخلِيلِ ، لأَنَّ الخَليلَ يَرى أنَّ اسْتَحَيْتُ أَصْلُه اسْتَحَيْيتُ ، فأُعِلَّ إعْلال اسْتَعَيْت ، وأَصْلُه أستَعْيَيْتُ (٤) ، وذلكَ بأنْ تُنْقَل حَركَة الياءِ على ما قَبْلَها وتُقْلَب أَلِفاً لالْتِقاءِ السَّاكنَيْن ، وأَمَّا سِيْبَوَيْه فيَرى أنَّها حُذِفَتْ تَخْفيفاً لاجْتِماعِ الياءَيْن لا لإعْلالٍ مُوجِب لحذْفِها ، كما حذفَت السِّيْن في أَحْسَسْت حتى قلتَ أَحَسْتُ ، ونقلتَ حَركَتَها على ما قَبْلها تَخْفيفاً ، انتَهَى.
ثم قالَ الجَوهرِيُّ : وقالَ الأَخْفَش : اسْتَحَى ، بياءٍ واحِدَةٍ ، لُغَةُ تَمِيمٍ ، وبياءَيْن لُغَةُ أَهْلِ الحِجازِ ، وهو الأَصْلُ ، لأنَّ ما كانَ موضعُ لامه مُعْتلاً لم يُعِلُّوا عَيْنَه ، أَلا تَرى أنَّهم قالوا أَحْيَيْتُ وحَوَيْتُ؟ ويقُولُونَ : قُلْتُ وبِعْتُ فيُعِلُّون العَيْنَ لمَّا لم تَعْتَلَّ اللامُ ، وإنَّما حَذَفُوا الياءَ لكثْرَةِ اسْتِعْمالِهم لهذه الكَلِمَةِ كما قالوا لا أَدْرِ في لا أَدْري.
واسْتَحياهُ واسْتَحاهُ يَتَعدَّيانِ بحَرْفٍ وبغَيْر حَرْفٍ.
وقالَ الأزْهرِيُّ : للعَرَب في هذا الحَرْف لُغَتانِ يَسْتَحِي بياءٍ واحِدَةٍ وبياءَيْن ، والقُرْآنُ نَزَلَ بهذه اللغَةِ الثانِيَةِ في قوْلِه تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً).
وقالَ ابنُ برِّي : شاهِدُ الحَياءِ بمعْنَى الاسْتِحْياء قوْلُ جريرٍ :
لو لا الحيَاءُ لَهَاج لي اسْتِعْبارُ |
|
ولَزُرْتُ قَبْرَكِ والحبيبُ يُزَارُ (٥) |
وفي الحدِيثِ : «الحَياءُ شُعْبَةٌ مِن الإِيمانِ».
قالَ ابنُ الأثيرِ : وإنَّما جعلَ الحَياء بَعْض الإِيمانِ لأنَّ الإِيمانَ يَنْقَسِم إلى ائْتِمارٍ بما أمر الله به وانْتِهاءٍ عمَّا نَهَى
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ص ١٢٠ برواية : «في سبط» واللسان.
(٢) في القاموس : التُّؤَبَةُ.
(٣) اللسان والتهذيب.
(*) كذا ، وبالقاموس : اسْتَحْيا.
(٤) في اللسان : استنعت وأصله استنيعت.
(٥) من أبيات رثا امرأته ديوانه ٢ / ٨٦٢ واللسان وفيه «لعادني» وفي الكامل للمبرد ٣ / ١٣٨٩ «لها جني» بدل «لهاج لي».