وقالَ ابنُ بَرِّي : إنَّما لم يُفْرد له واحِدٌ لأنّه حَبْلٌ واحدٌ يُشدُّ بأَحدِ طَرَفَيْه اليَد وبالطَّرَفِ الآخَرِ الأُخْرى ، فهما كالواحِدِ.
ومِثْله قَوْل ابنِ الأثيرِ في شرْحِ حدِيثِ عَمْرو بنِ دِينارٍ : رأَيْت ابنَ عُمَر يَنْحَرُ بدنته وهي بارِكَةٌ مَثْنِيَّة بِثنايَيْن.
وقالَ الأصْمعيُّ : يقالُ عَقَلْتُ البَعيرَ بثِنَايَيْنِ ، يُظْهِرُونَ الياءَ بعْدَ الألفِ ، وهي المدَّة التي كانتْ فيها ، وإن مدّمادٌّ لكأنَ صَواباً كقَوْلِكَ كِسَاءٌ وكِساوَانِ وكِسَاآنِ. قالَ : وواحِدُ الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ ككِسَاء.
* قُلْتُ : وهذا خِلافُ ما عليه النّحويُّونَ فإنّهم اتَّفَقُوا على تَرْكِ الهَمْز في الثّنَايَيْن وعلى أَن لا يُفْردُوا الوَاحِدَ.
وكَلامُ اللّيْثِ مثْل ما نَقَلَه الأصْمعيّ ، وقد رَدَّ عليه الأَزْهريُّ بما هو مَبْسوطٌ في تَهْذِيبِه. ورُبَّما نَقَل المصنِّفُ عن ابنِ السَّيِّد لكَوْنِه أَجازَ إفْرادَ الواحِدِ ، ولذا لم يَذْكرِ الثِّنَايَيْن ، وقد عَلِمْتُ أَنَّه مَرْدودٌ فإِنَّ الكَلِمَةَ بُنِيَتْ على التَّثْنِيَةِ ، فتأَمَّل.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
الطَّويلُ المُتَثَنيِّ : هو الذَّاهِبُ طُولاً ، وأَكْثَر ما يُسْتَعْملُ في طَويلٍ لاعَرْض له.
والثِّنْيُ ، بالكسْرِ : واحِدُ أَثْناء الشيءِ أَي تَضَاعِيفه ؛ تقولُ : أَنْفَذت كذا ثِنْيَ كتابِي أَي في طَيِّه ؛ كما في الصِّحاحِ.
وكانَ ذلِكَ في أَثْناءِ كذا : أَي في غضونِهِ.
والثِّنْيُ أَيْضاً : معطفُ الثَّوْبِ ؛ ومنه حدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ : «كانَ يَثْنِيه عليه أَثْناءً مِن سَعَتِه» ، يعْنِي الثَّوْبَ.
وثَنَاهُ ثَنْياً : عَطَفَهُ.
وأَيْضاً : كَفَّهُ.
وأَيْضاً : عَقَدَه ، ومنه تُثْنَى عليه الخَناصِر.
وثَناهُ عن حاجَتِهِ : صَرَفَه.
وثَناهُ : أَخَذَ نِصْفَ مالِهِ أَو ضمَّ إليه ما صارَ به اثْنَيْنِ.
وثِنْيُ الوُشاحِ : ما انْثَنَى منه ، والجَمْعُ الأَثْناءُ ، قالَ :
تَعَرُّضَ أَثْنَاء الوِشَاحِ المُفَصَّل (١)
وثَنَى رِجْلُه عن دابَّتِه : ضمَّها إلى فخذِهِ فنَزلَ.
وإذا فَعَلَ الرَّجُلُ أَمْراً ثم ضمَّ إليه أمراً آخَرَ قيلَ ثَنَّى بالأَمْرِ الثاني تَثْنِية.
وفي الحدِيثِ : «وهو ثانٍ رِجْلَه أَي عاطِفٌ قَبْل أَنْ يَنْهَض.
وفي حدِيثٍ آخَرَ : قَبْلَ أَنْ يَثْنيَ رِجْلَه» ، قالَ ابنُ الأثيرِ : هذا ضِدّ الأوّل في اللفْظِ ومِثْله في المعْنَى ، لأنَّه أَرادَ قَبْل أن يصرفَ رِجْلَه عن حالَتِه التي هي عليها في التَّشهّدِ.
وثَنَى صَدْرَه يَثْنِيه ثنيّاً : أَسَرَّ فيه العَداوَةَ ، أَو طَوَى ما فيه اسْتِخْفاء.
ويقالُ للفارِسِ إذا ثَنَى عُنُقَ دابَّتِه عنْدَ شدَّة حُضْرِه : جاءَ ثانيَ العِنانِ.
ويقالُ للفَرَسِ نَفْسِه : جاءَ سابِقاً ثانِياً إذا جاءَ وقد ثَنَى عُنُقَه نشاطاً لأنَّه إذا أَعْيى مدَّ عُنُقَه ؛ ومنه قولُ الشاعِرِ :
ومَنْ يَفْخَرْ بمثلِ أَبي وجَدِّي |
|
يَجِئْ قبل السَّوابق وهُو ثانِي (٢) |
أَي كالفَرَسِ السَّابِقِ ، أَو كالفارِسِ الذي سبقَ فَرسُه الخَيْلَ.
و (ثانِيَ عِطْفِهِ) : كِنايَةٌ عن التّكبرِ والإعْراضِ. كما يقالُ : لَوَى شدْقَه ونَأَى بجانِبهِ.
ويقالُ : فلانٌ ثانِي اثْنَيْن ، أَي هو أَحَدُهما ، مُضافٌ ، ولا يقالُ هو ثانٍ اثْنَيْن ، بالتَّنْوِين.
ولو سُمِّي رَجُل باثْنَيْن أَو باثْنَي عشر لقُلْت في النِّسْبةِ إليه ثَنَويٌّ في قوْلِ مَنْ قالَ في ابْنٍ بَنَوِيٌّ ، واثْنِيٌّ في قوْلِ مَنْ قالَ ابْنِيٌّ.
__________________
(١) لامرئ القيس ، في ديوانه ط بيروت ص ٣٩ وصدره :
إذا ما الثريا في السماء تعرضت
والبيت في الأساس وعجزه في اللسان والتهذيب.
(٢) اللسان والتهذيب.