أَرائحٌ أَنتَ يومَ اثنينِ أَمْ غادِي |
|
ولمْ تُسَلِّمْ على رَيْحانَة الوادِي (١)؟ |
قالَ : وكانَ أَبو زيادٍ يقولُ مَضَى الاثْنانِ بما فيه ، فيوحِّدُ ويُذَكِّرُ ، وكذا يَفْعل في سائِرِ أيامِ الأُسْبوعِ كُلِّها ، وكان يُؤنِّثُ الجُمْعَة ، وكان أبو الجَرَّاح يقولُ : مَضَى السَّبْت بمَا فيه ، ومَضَى الأَحَد بما فيه ، ومَضَى الاثْنانِ بما فيهما ، ومَضَى الثِّلاثاءِ بما فيهنَّ ومَضَى الأَرْبعاء بما فيهنَّ ، ومَضَى الخَمِيسُ بما فيهنَّ ، ومَضَى الجُمُعَة بما فيها ، وكانَ يخرجُها مُخْرِج العَدَدِ.
قالَ ابنُ جنِّي : اللَّامُ في الاثْنَيْن غيرُ زائِدَةٍ وإن لم يَكُن الاثْنانِ صفَة.
قالَ أبو العبَّاس : إنَّما أَجازُوا دُخُولَ اللامِ عليه لأنَّ فيه تَقْدير الوَصْف ، أَلا تَرَى أَنَّ مَعْناه اليَوْم الثَّاني؟ والإِثْنَوِيُّ : من يَصُومُهُ دائِماً وحْدَهُ ؛ ومنه قَوْلُهم : لا تكُ أَثْنَويّاً ؛ حَكَاهُ ثَعْلَب عن ابنِ الأعْرابيِّ.
والمَثانِيْ : القُرآنُ كُلُّه لاقْترانِ آيَة الرَّحْمة بآيَةِ العَذَابِ ؛ كما في الصِّحاحِ.
أَو لأَنَّ الأَنْباءَ والقِصَصَ ثُنِّيَتْ فيه ؛ عن أَبي عبيدٍ.
أَو لما تثنى وتَجَدَّدَ حالاً فحالاً فَوائِده ، كما رُوِي في الخبرِ في صفَتِه : «لا يَعْوَجّ فيُقَوَّم ولا يَزيغُ فيُسْتَعْتَب ولا تَنقَضِي عجائِبُه». ؛ قالَهُ الرَّاغبُ ؛ قالَ : ويصحُّ أَنْ يكونَ ذلِكَ مِن الثَّناءِ تَنْبيها على أنَّه أَبَداً يَظْهَر منه ما يَدْعو وعلى الثَّناءِ عليه وعلى مَنْ يَتْلُوه ويُعَلِّمه ويَعْمَل به ، وعلى هذا الوَجْه قَوْله وَوَصْفُهُ بالكَرَم (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٢) ؛ وبالمجْدِ : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (٣).
* قُلْتُ : والدَّلِيلُ على أَنَّ المَثاني القُرْآن كُلّه قَوْله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ) (٤) ؛ وقَوْلُ حَسَّان بن ثابتٍ :
مَنْ للقوافِي بعدَ حَسَّانَ وابْنِهِ |
|
ومَنْ للمَثانِي بعدَ زَيْدِ بنِ ثابِتِ (٥)؟ |
أَو المَثاني مِن القُرآنِ : ما ثُنِيَّ منه مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ؛ وبه فُسِّر قَوْلُه تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (٦).
أَو الحَمْدُ ، وهي فاتِحَةُ الكِتابِ ، وهي سَبْعُ آياتٍ قيلَ لها مَثانِي (٧) لأنَّها يُثَنى بها في كُلِّ ركْعَةٍ مِن ركعاتِ الصَّلاةِ وتُعادُ في كلِّ ركْعةٍ.
قالَ أَبو الهَيْثم : سُمِّيت آياتُ الحَمْد مَثاني ، واحِدَتُها مَثْناةٌ ، وهي سَبْعُ آياتٍ.
وقالَ ثَعْلب : لأنَّها تُثَنى مع كلِّ سُورَةٍ ؛ قالَ الشاعِرُ :
الحمدُ للهِ الذي عافَاني |
|
وكلّ خيرٍ صالحٍ أَعْطاني |
رَبِّ مَثاني الآيِ والقُرْآنِ (٨)
ووَرَدَ في الحدِيثِ في ذِكْر الفاتِحَةِ ، هي السَّبْع المَثاني.
أَو المَثاني سُوَرٌ أَوَّلها البَقَرةُ إلى بَراءَة ، أَو كُلُّ سُورَةٍ دُونَ الطُّوَلِ ودُونَ المَائَتَيْنِ ، كذا في النسخِ والصَّوابُ دُوْنَ المِئِين ؛ وفَوْقَ المُفَصَّلِ ؛ هذا قَوْلُ أَبي الهَيْثم.
قالَ : رُوِي ذلِكَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَى الله عليه وسلم ، ثم عن ابنِ مَسْعودٍ وعُثْمان وابنِ عبَّاس ؛ قالَ : والمُفَصَّل يَلِي المَثانِي ، والمَثانِي ما دُونَ المِئِين.
وقالَ ابنُ بَرِّي عنْدَ قَوْل الجَوْهرِيّ والمَثانِي مِن القُرآنِ ما كانَ أَقَلِّ مِن المِئِين ، قالَ : كأَنَّ المِئِين جُعِلَت مبادِيَ والتي تلِيها مَثانِي.
أَو المَثانِي مِن القُرآنِ : سِتٌّ وعِشْرُونَ سُورَة ، كما رَوَاهُ محمدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّف عن أَصْحابِ عبدِ اللهِ ؛ قالَ الأَزْهرِيُّ : قَرَأْته بخطِّ شَمِرٍ ؛ وهي : سُورَةُ الحَجِّ ،
__________________
(١) شرح أشعار الهذليين ٢ / ٩٣٩ واللسان.
(٢) سورة الواقعة ، الآية ٧٧.
(٣) سورة البروج ، الآية ٢١.
(٤) سورة الزمر ، الآية ٢٣.
(٥) ديوانه ط بيروت ص ٤١ ، بيت مفرد ، واللسان.
(٦) سورة الحجر ، الآية ٨٧.
(٧) في اللسان : مثانٍ.
(٨) اللسان.