وبُكِيٌّ ، بالضَّمِّ وكَسْرِ الكافِ وتَشْديدِ الياءِ ، وأَصْلُه بكوى على فُعُول كسَاجدٍ وسُجُودٍ قُلِبَ الواوُ ياءً فأُدغم ؛ قالَهُ الرَّاغِبُ.
قالَ شيْخُنا : وهو مَسْموعٌ في الصَّحيحِ ولا يُعْرَفُ في المُعْتلِّ وقد خَرَّجُوا عليه قَوْلُه تعالى (خَرُّوا سُجَّداً) (١) (وَبُكِيًّا).
والتَّبْكاءُ ، بالفتْحِ ، ويُكْسَرُ : البُكَاءُ أَو كَثْرَتُه.
قالَ شيْخُنا : هذا الكَسْرُ الذي صارَ للمصنِّفِ كالعادَةِ في تفْعال لا يُعْرف وتَفْسِيره بالبُكاءِ مثْله فالصَّوابُ قَوْله أَو كَثْرَتُه فإنَّ التّفْعالَ مَعْدودٌ لمُبالَغة المَصْدَر على ما عُرِفَ في الصَّرْفِ.
* قُلْتُ : الكَسْرُ الذي أَنْكَره شيْخُنا على المصنِّفِ هو قَوْلُ اللّحْيانيّ وكذا تَفْسِيره بالبُكاءِ ، فإنَّه عن اللَّحْيانيِّ أَيْضاً واسْتَدَلَّ بقَوْل بعض نِساءِ الأعْراب في تَأْخيذِ الرِّجال أَخَّذْتُه في دُبَّا مُمَلأٍ مِن المَا مُعَلَّقٍ بتِرْشا فلا يَزَال في تِمْشا وعينُه في تِبْكا ، ثم فَسَّره فقالَ : التِّرْشَا الحَبْلُ ، والتِّمْشا المَشْيُ ، والتِّبْكا البُكاء.
قالَ ابنُ سِيدَه : وكانَ حُكْمُ هذا أَنْ تقولَ تَمْشاء وتَبْكاء لأنَّهما مِنَ المصادِرِ التي بُنِيَتْ للتّكْثيرِ كالتَّهْذارِ في الهَذْرِ والتَّلْعابِ في اللَّعِبِ ، وغيرِ ذلِكَ مِنَ المَصادِرِ التي حَكَاهَا سِيْبَوَيْه.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ : التَّبْكاءُ ، بالفتْحِ : كَثْرَةُ البُكاءِ ؛ وأَنْشَدَ :
وأَقْرَحَ عَيْنَيَّ تَبْكَاؤُه |
|
وأَحْدَثَ في السَّمْعِ مِنِّي صَمَمْ (٢) |
* قُلْتُ : ففي قوْلِ المصنِّفِ لَفٌّ ونَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ فتأَمَّل.
وأَبْكَاهُ : فَعَلَ به ما يُوجِبُ بُكاءَه ؛ ولو قالَ : ما يُبْكِيه ، كانَ أَخْصَر. وبَكَّاهُ على المَيِّتِ ؛ ولو قالَ على الفَقِيدِ كانَ أَشْمل ؛ تَبْكِيَةً : هَيَّجَهُ للبُكاءِ عليه ودَعاهُ إليه ؛ ومنه قَوْلُ الشاعِرِ :
صَفِيَّةُ قُومي ولا تَقْعُدي |
|
وبَكِّي النِّساءَ على حَمْزَة (٣) |
وبَكاهُ بُكَاءً وبَكَّاهُ تَبْكِيةً ، كِلاهُما بمعْنَى بَكَى عليه ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ عن الأصْمعيّ قالَ : وأَبو زَيْدٍ مثْله. وقيلَ : مَعْناهُما رَثاهُ.
وبَكَى أَيْضاً : غَنَّى ؛ وأَنْشَدَ ثَعْلَب :
وكنتُ مَتَى أَرَى زِقّاً صَرِيعاً |
|
يُذاعُ على جَنازَتِه بَكَيْتُ (٤) |
فَسَّره فقالَ : أَرادَ غَنَّيْتُ ، فهو ضِدٌّ ، جَعَلَ البُكاءَ بمنْزِلَةِ الغِناء ، واسْتَجازَ ذلِكَ لأنَّ البُكاءَ كَثيراً ما يَصْحبُه الصَّوْت كما يَصْحَبُ الصَّوْت الغِناء. وبه يُرَدُّ ما قالَهُ شيْخُنا إنَّ هذا الإطلاقَ إنَّما وَرَدَ بالنِّسْبَةِ إلى الحَمامِ وشبهِهِ ، أمَّا إطْلاقه على الآدَمِييِّن فغَيْرُ مَعْروفٍ ، قالَ : ثم جعله البُكَاء بمعْنَى الغِناءِ مَعَ الرّثاءِ ونَحْوه مِن الأَضْدادِ لا يَخْفَى ما فيه ، فتأَمَّل.
* قُلْتُ : تَظْهرُ الضّدِّيّةُ على الأَغْلبِيَّة فإنَّ الرِّثاءَ غالِباً يَصْحَبُه الحُزْنُ والغِناءُ غالِباً يَصْحَبُه الفَرَحُ ، فلا وَجْه للتَّأَمّل فيه.
والبَكَى ، مَقْصوراً : نَباتٌ ، أَو شَجَرٌ ، الواحِدَةُ بَكَاةٌ ، كحَصَاةٍ.
وقالَ أَبو حنيفَةَ البَكَاءُ مثلُ البَشامَةِ لا فَرْقَ بَيْنهما إلَّا عنْدَ العالِمِ بهما ، وَهُما كَثيراً ما يَنْبتانِ مَعاً ، وإذا قُطِعَتِ البَكَاءُ هُرِيقَت لَبناً أَبْيض.
* قُلْتُ : ولعلَّ هذا وَجْهُ تَسْمِيَته بالبَكَى.
وذُكِرَ في الهَمْزِ ، قالَ هناك : البَكءُ والبَكَى نَباتٌ واحِدَتُهما بهاءٍ.
وقالَ ابنُ سِيدَه وقَضَيْنا على أَلِفِ البَكَى بالياءِ لأنَّها لامٌ لوُجُودِ بكى وعَدَم بكو.
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ٥٨.
(٢) اللسان.
(٣) اللسان ، والأساس. وفيها : «سمية» بدل «صفية».
(٤) اللسان.