والبَقَاءُ عنْدَ أَهْلِ الحقِّ : رُؤْيَةُ العَبْدِ قِيَام الله على كلِّ شيءٍ.
وأَبْقاهُ وبَقَّاهُ وتَبَقَّاهُ واسْتَبْقَاهُ ، كُلُّ ذلِكَ بمعْنىً واحِدٍ.
وفي الحدَيثِ : «تَبَقَّهْ وتَوَقَّهْ» ، هو أَمْرٌ من البَقاءِ والوِقاءِ ، والهاءُ فيهما للسَّكتِ ، أَي اسْتَبْق النفسَ ولا تُعَرِّضْها للهَلاكِ وتَحَرَّزْ مِن الآفاتِ.
والاسمُ البَقْوَى كدَعْوَى ويُضَمُّ ؛ هذه عن ثَعْلَب ؛ والبُقْيا ، بالضَّمِّ ويُفْتَحُ.
قالَ ابنُ سِيدَه : إن قيلَ : لِمَ قَلَبَتِ العَرَبُ لامَ فَعْلَى إذا كانت اسْما وكان لامُها ياء واواً حتى قالوا البَقْوَى وما أَشْبَه ذلك؟ فالجَوابُ : أنَّهم إنَّما فعلُوا ذلِكَ في فَعْلَى لأنَّهم قد قلَبُوا لامَ الفُعْلى إذا كانت اسْماً ، وكانت لامُها واواً ، ياء طلباً للخِفَّةِ ، وذلِكَ نَحْو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيَا ، وهي مِن دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْتُ ، فلمَّا قلبُوا الواوَ ياءً في هذا وفي غيرِهِ عوَّضُوا الواوَ مِن غلبَةِ الياءِ عليها في أَكْثَر المَواضِع في أنْ قلَبُوها في نَحْو البَقْوَى والتَّقْوَى واواً ، ليكونَ ذلِكَ ضَرْباً من التَّعْوِيضِ ومِنَ التَّكافُؤ بَيْنهما ، انتَهَى.
وشاهِدُ البَقْوَى قَوْلُ أَبي القَمْقامِ الأَسَدِيِّ :
أُذَكَّرُ بالبَقْوَى على ما أَصابَني |
|
وبَقْوايَ أَنِّي جاهِدٌ غَيْر مُؤْتَلِي (١) |
وشاهِدُ البُقْيا قَوْلُ اللَّعِين المنْقَريّ انْشَدَه الجَوْهرِيُّ :
فما بُقْيَا عليَّ تَرَكْتُماني |
|
ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبالِ (٢) |
والبَقِيّةُ ، كالبَقْوَى.
وقد تُوضَعُ الباقِيةُ مَوْضِعَ المَصْدَرِ ؛ قالَ اللهُ تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٣) ، أَي بَقَاء ، كما في الصِّحاحِ وهو قَوْلُ الفرَّاءِ. ويقالُ : هلْ تَرَى منهم باقِياً ، كلُّ ذلِكَ في العربيَّة جائِزٌ حَسَنٌ.
ويقالُ : ما بَقِيَتْ (٤) باقِيَةٌ ولا وَقاهُم مِن الله واقِيَةٌ.
وقالَ الرَّاغبُ في تَفْسيرِ الآيَةِ : أَي مِن جماعَةٍ باقِيَةٍ ؛ وقيلَ : مَعْناهُ بَقِيَّة. وقد جاءَ مِن المَصادِرِ ما هو على فاعِلٍ وما هو على بِناءِ مَفْعولٍ ، والأَوَّل أَصَحّ ، انتَهَى.
وقَوْلُه تعالى : بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ (لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥) ، أَي طاعَةُ اللهِ.
وقالَ أَبو عليِّ : أَي انْتِظارُ ثَوابِه لأنَّه إنَّما يَنْتَظِرُ ثَوابَه مَنْ آمَنَ.
أَو الحالَةُ الباقِيَةُ لَكُمْ من الخَيْرِ ؛ قالَهُ الزجَّاجُ.
أَو ما أَبْقَى لَكُم من الحَلالِ ؛ عن الفرَّاءِ ؛ قالَ : ويقالُ مُراقَبَة اللهِ خَيْر لَكُم.
وقالَ الرَّاغِبُ : البَقِيَّةُ والباقِيَةُ كلُّ عِبادَةٍ يُقْصَدُ بها وَجْه اللهِ تعالى ، وعلى هذا (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) ، وأَضافَها إلى اللهِ تعالى.
وَالْباقِياتُ الصّالِحاتُ (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) (٦) ، قيلَ : كلُّ عَمَل صالِح يَبْقَى ثَوَابه. أَو هي قَوْلنا : سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلَّا اللهُ واللهُ أَكْبَرُ ، كما جاء في حدِيثٍ. أَو الصَّلواتُ الخَمْسُ.
وقالَ الرَّاغبُ : والصَّحيحُ أنَّه كلُّ عِبادَةٍ يُقْصَد بها وَجْهُ اللهِ تعالى.
ومُبْقِياتُ الخَيْل ؛ الأَوْلى المُبْقياتُ من الخَيْل ، التي يَبْقَى جَرْيُها بعدَ ؛ وفي المُحْكَم عنْدَ ؛ انْقِطاعِ جَرْيِ الخَيْلِ.
وفي التَّهْذِيبِ : تُبْقِي بعضُ جَرْيها تَدَّخِره ؛ قالَ الكَلحَبَةُ :
__________________
(١) اللسان.
(٢) اللسان والصحاح منسوبا للّعين ، وفي الأساس منسوباً للبيد ، وليس في ديوانه.
(٣) سورة الحاقة ، الآية ٨.
(٤) في اللسان : ما بقيت منهم باقية ...
(٥) سورة هود ، الآية ٨٦.
(٦) سورة هود ، الآية ٤٦.