باشا بالطبع الخضوع لامر الباب العالي ورفض مغادرة بغداد ولكنه وقد اصبح في معارضة الحكومة صراحة لم يحسب الحساب لحقيقة مهمة هي ان خلافه مع المماليك جرده من اكثر القوى فعالية في اسناده داخل المدينة. يضاف إلى ذلك ان استبدال ممثلي نابليون ومنهم القنصل الفرنسي العام في بغداد ريموند بعد سقوط نابليون وعودة الملكية جرد سعيد باشا من هذا السند الفعال لعائلة سليمان الكبير التي كانت تعتبر مخلصة لفرنسا.
في هذه الاثناء لم يكن الحزب المعادي لسعيد باشا يقضي وقته بالاحلام بل وجد من يحل محلّه وهو شخص اسمه داود وكان زوجاً لشقيقة الوالي (١). وكان هذا المرشح واحداً من العبيد الجورجيين في خدمة سليمان الكبير نال قسطاً كبيراً من التعليم بالنسبة لظروف ذلك الوقت الامر الذي مكنه من ان يصبح «ملا» فكان يجلس عند حائط مرقد عبد القادر متظاهراً بالتقوى (٢). وهكذا امن لنفسه حياة هادئة وجمع رأس مالٍ لا يستهان به. وبعد ان تأكدت اشاعة نقل صهره إلى حلب رشح نفسه امام اسطنبول والياً لبغداد بالحاح واسناد من الحزب المعارض لسعيد باشا. وقد وافق الباب العالي على ذلك على الرغم من علاقة داود باشا بعائلة سليمان الكبير ومنحه في السنة نفسها أي في ١٨١٧ لقب باش من مرتبة الاطواغ الثلاثة ولكنه اشترط عليه التخلص من سعيد باشا الذي لا يريد مغادرة بغداد. وبعد ان اعلم سعيد باشا باخبار تعيين داود تحصن في قلعة المدينة على امل ان يصمد إلى ان يأتي المنتفقيون المخلصون له لانه لم يكن يمتلك القوات التي تمكنه من مجابهة خصمه بشكل مكشوف. ولكن داود
__________________
(١) Rich, OP. Cit. vol. ١P. ٤.
(٢) J. R. wrilsted, Travels to the City of the Caliphs vol. I, London, ١٨٤٠, P. ٢٥٨.