خطَرَتْ خطْرةٌ على القلبِ مِن ذِك |
|
راكِ وَهْناً فما استَطَعتُ مُضِيَّا (١) |
والبَيانُ : الإفْصاحُ مع ذَكاءٍ.
وفي الصِّحاحِ : هو الفَصاحَةُ واللَّسَن.
وفي النهايةِ : هو إظْهارُ المَقْصودِ بأبْلَغ لَفْظٍ وهو مِن الفَهْم وذَكاء القَلْب مع اللّسَن وأَصْلُه الكَشْف والظّهور.
وفي الكشاف : هو المَنْطقُ الفَصِيحُ المُعْربُ عمَّا في الضَّميرِ.
وفي شرْحِ جَمْع الجوامِعِ : البَيانُ إخْراجُ الشيءِ من حيِّزِ الأشْكالِ إلى حيِّزِ التَّجَلِّي.
وفي المَحْصول : البَيانُ إظْهارُ المعْنَى للنَّفْسِ حتى يتبيَّنَ من غيرِهِ ويَنْفصِلَ عمَّا يلتبسُ به.
وفي المُفْردات للرَّاغب ، رحِمَه اللهُ تعالى : البَيانُ أَعَمُّ مِن النُّطْقِ لأنَّ النُّطقَ مُخْتصٌّ باللِّسانِ ويُسمَّى ما يُبَيّنُ به بياناً وهو ضَرْبان : أَحَدُهما بالحالِ (٢) وهي الأشْياءُ الدَّالَّةُ على حالٍ مِنَ الأحْوالِ مِن آثارِ صفَةٍ (٣) ؛ والثاني بالإخْبارِ (٤) وذلك إمَّا أنْ يكونَ نُطْقاً أَو كِتابَةً ، فما هو بالحالِ كقولِهِ تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥) ، وما هو بالإخْبارِ (٤) كقوْلِهِ تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (٦) ؛ قالَ : ويُسمَّى الكَلام بياناً لكَشْفِه عن المعْنَى المَقْصودِ وإظْهارِهِ نحو (هذا بَيانٌ لِلنّاسِ) (٧) ؛ ويُسمَّى ما يُشْرَحُ به المُجْمَلُ والمُبْهَم مِن الكَلامِ بياناً نحوَ قوْلِه تعالَى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (٨).
وفي شَرْحِ المَقامَاتِ للشَّرِيشي ، رحِمَه اللهُ تعالى : الفَرْقُ بَيْنَ البَيانِ والتِّبيان أنَّ البَيانَ وُضوحُ المعْنَى وظُهورُه ، والتِّبْيان تَفْهِيم المعْنَى وتَبْيِينه ، والبَيانُ منْك لغيرِكَ ، والتِّبْيان منْك لنَفْسِك مثْلُ التَّبْيِين ، وقد يَقَعُ التَّبْيينُ في معْنَى البَيانِ ، وقد يَقَعُ البَيانُ بكثْرةِ الكَلامِ ويُعَدُّ ذلكَ مِن النِّفاقِ ، ومنه حدِيثُ التّرمذيّ : «البذاءُ والبَيانُ شُعْبتان مِنَ النِّفاقِ» ، ا ه.
* قلْتُ : إنّما أَرادَ منه ذَمَّ التَّعَمّقِ في المنْطِقِ والتَّفاصُحَ وإظْهارَ التَّقدُّمِ فيه على النَّاسِ ، وكأنَّه نوعٌ من العُجْبِ والكِبْرِ ؛ ورَاوِي الحَدِيْثِ أبو أُمامَةَ الباهِلِيُّ ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه ؛ وجاءَ في رِوَايَةٍ أُخْرى : «البَذاءُ وبعضُ البَيانِ» ، لأنَّه ليسَ كلُّ البَيانِ مَذْموماً.
وأَمَّا حَدِيْث : «إنَّ مِن البَيانِ لسِحْراً» ، فرَاجِع النِّهايَة.
والبَيِّنُ مِن الرِّجالِ : الفَصيحُ ؛ زادَ ابنُ شُمَيْل : السَّمْحُ اللِّسانِ الظَّريفُ العالِي الكَلام القَلِيل الرَّتَج ؛ وأَنْشَدَ شَمِرٌ :
قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبيُّ ويَلْتَئي |
|
على البَيِّنِ السَّفَّاكِ وهو خَطيبُ (٩) |
ج أَبْيِناءُ ، صحَّتِ الباءُ لسكونِ ما قَبْلها.
وحَكَى اللَّحْيانيُّ في جَمْعِه : أَبْيانٌ وبُيَناءُ ، فأمَّا أَبْيانُ فكمَيِّتٍ وأَمْواتٍ ، قالَ سِيْبَوَيْه : شَبَّهوا فَيْعِلاً بفاعِلٍ حينَ قالوا شَاهِد وأَشْهاد ، مِثْل ، قَيِّلٍ وأَقْيالٍ ؛ وأمَّا بُيَناءُ فنادِرٌ ، والأقْيَس في ذلِكَ جَمْعُه بالواوِ ، وهو قَوْلُ سِيْبَوَيْه.
وقالَ الأزْهرِيُّ في أَثْناءِ هذه التَّرْجَمةِ : رُوِي عن أَبي الهَّيْثم أَنَّه قالَ : الكَواكِبُ البَيانِيَّاتُ (١٠) هي التي لا تَنْزِلُ الشَّمسُ بها ولا القمرُ إنَّما يُهْتَدَى بها في البرِّ والبَحْرِ ، وهي شآمِيةٌ ، ومَهَبُّ الشّمالِ منها ، أَوَّلُها القُطْبُ وهو كوكبٌ لا يَزُولُ ، والجدْيُ والفَرْقَدان ، وهو بَينَ القُطْب ، وفيه بَناتُ نعْشٍ الصُّغْرى.
هكذا النَّقْل في هذه التَّرْجَمة صَحِيحٌ غَيْر أنَّ الأزْهرِيَّ استدلَّ به على قَوْلِهم : بَيْنَ بمعْنَى وَسْط ، وذلِكَ قَوْله : وهو عَيْنُ القُطْب ، أي وَسْطُه.
وأَمَّا الذي استدلَّ به المصنِّفُ ، رَحِمَه اللهُ تعالَى ، مِن
__________________
(١) اللسان.
(٢) في المفردات : أحدهما بالتنجيز.
(٣) في المفردات : آثار صنعه.
(٤) في المفردات : بالاختبار.
(٥) البقرة ، الآية ١٦٨ و٢٠٨.
(٦) النحل ، الآية ٤٤.
(٧) آل عمران ، الآية ١٣٨.
(٨) القيامة ، الآية ١٩.
(٩) اللسان والتهذيب وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله : يلتئي أي يبطئ من اللأي وهو الإبطاء ، كذا في اللسان».
(١٠) في التهذيب : البابانيات.