الجوْهرِيِّ عَجز البَيْتِ لا غَيْر ؛ قالَ : وكمَّلَهُ ابنُ القطَّاعِ بصَدْرِ بيتٍ ليسَ هذا عَجْزُه ، وإنَّما عَجزُهُ : وَأَرْسَلُوا :
غُضُفاً دَوَاجِنَ قافِلاً أَعْصامُها
وليسَ ذلِكَ في شعْرِ لبيدٍ.
وقوْلُه تعالى : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (١) قيلَ : المَنُّ كُلُّ طَلٍّ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ على شَجَرٍ أَو حجرٍ ويَحْلُو ويَنْعَقِدُ عَسَلاً ويَجِفُّ جفافَ الصَّمْغِ كالشِّيرَخُشْت والتَّرَنْجَبِينِ.
والسَّلْوى : طائِرٌ ؛ وقيلَ : المَنُّ والسَّلْوى كِلاهُما إشارَة إلى ما أنْعَمَ اللهُ ، عزوجل ، به عليهم ، وهُما بالذَّاتِ شيءٌ واحِدٌ لكنْ سمَّاهُ مَنَّا من حيثُ أنَّه امْتَنَّ به عليهم ، وسمَّاهُ سَلْوى مِن حيثُ أنَّه كانَ لهم به التَّسَلي ؛ قالَهُ الرَّاغبُ.
وفي الصِّحاحِ : المَنُّ كالتَّرَنْجَبِينِ.
وفي المُحْكَم : طَلٌّ يَنْزِلُ مِن السَّماءِ ، وقيلَ : هو شِبْهُ العَسَلِ كان يَنْزِلُ على بَني إسْرائيل.
وقالَ الليْثُ المَنُّ كانَ يَسْقطُ على بَني إسْرائيل مِن السَّماءِ إذْ هُمْ في التِّيه ، وكانَ كالعَسَلِ الحامِسِ حَلاوَةً.
وقالَ الزجَّاجُ : جملةُ المَنِّ في اللغَةِ ما يَمُنُّ به اللهُ ، عزوجل ، ممَّا لا تَعَبَ فيه ولا نَصَبَ ، قالَ : وأَهْلُ التفْسِيرِ يقُولُونَ : إنَّ المَنَّ شيءٌ كانَ يَسْقُطُ على الشَّجرِ حُلْوٌ يُشْرَبُ.
وفي الحدِيثِ : «الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ ومَاؤُها شفاءٌ للعَيْنِ» ، إنَّما شَبَّهَها بالمَنِّ الذي كانَ يَسْقطُ على بَني إسْرائِيلَ ، لأنَّه كان يَنْزِلُ عليهم عَفْواً بِلا عِلاج ، إنَّما يصبحون وهو بأَفْنِيتِهم فيَتَناوَلُونَه ، وكَذلِكَ الكَمْأَةُ لا مَؤُونَة فيها ببَذْرٍ ولا سَقْيٍ.
والمَعْروفُ بالمنِّ عنْدَ الأَطِبَّاءِ : ما وَقَعَ على شَجرِ البَلُّوطِ مُعْتَدِلٌ نافِعٌ للسُّعالِ الرَّطْبِ والصَّدْرِ والرِّئَةِ ، والمَنُّ أَيْضاً مَنْ لم يَدَّعِهِ أَحَدٌ ، هكذا في النُّسخِ وفيه خَطَأٌ في مَوْضِعَيْن ، والصَّوابُ : المُمِنُّ الذي لم يَدَّعِهِ أَبٌ ، كما هو نَصُّ المُحْكَم.
وأَيْضاً : كَيْلٌ مَعْروفٌ ، أَو مِيزانٌ ، كما في المُحْكَم.
أَو هو رِطْلانِ كالمَنَا ؛ كما في الصِّحاحِ.
وفي التَّهْذِيبِ : المَنُّ لُغَةٌ في المَنَا الذي يُوزَنُ به.
وقالَ الرَّاغبُ : المَنُّ ما يُوزَنُ به ، يقالُ : مَنَّ ومَنَا.
ج أَمْنانٌ ، ورُبَّما أُبدِلَ من إحْدَى النُّونَيْن أَلفٌ فقيلَ : مَنَا ، وجمْعُ المَنَا أَمْناءُ.
والمُنَّةُ ، بالضَّمِّ : القُوَّةُ ، وقد مَرَّ قَرِيباً ، فهو تكْرارٌ ، وقد خصَّ بعضُهم به قُوَّة القَلْبِ.
والمَنَّةُ ، بالفتْحِ : من أَسْمائِهِنَّ ، أَي النّسْوَة.
والمَنُونُ : الدَّهْرُ ، وهو اسمٌ مُفْردٌ ؛ وعليه قَوْلُه تعالى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٢) ، أَي حَوادِث الدَّهْرِ ؛ ومنه قَوْلُ أَبي ذُؤَيْب :
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَّجَعُ |
|
والدَّهْرُ ليسَ بمُعْتَبٍ من يَجْزَعُ (٣) |
قالَ ابنُ بَرِّي : أَي الدَّهْرُ ورَيْبه ، ويدلُّ على ذلِكَ قوْلُه :
والدَّهْرُ ليسَ بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ
وقالَ الأَزْهرِيُّ : مَنْ ذَكَّرَ المَنُونُ أَرادَ به الدَّهْرَ ، وأنْشَدَ قوْلَ أَبي ذُؤَيبٍ.
قالَ ابنُ بَرِّي : ومِثْلُه قَوْل كَعْبِ بنِ مالِكٍ الأنْصارِيِّ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه :
أنسيتمُ عَهْدَ النبيِّ إليكمُ |
|
ولقد أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا |
أن لا تَزالُوا ما تَغَرَّدَ طائرٌ |
|
أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا (٤) |
__________________
(١) البقرة ، الآية ٥٧.
(٢) الطور ، الآية ٣٠.
(٣) ديوان الهذليين ١ / ١ وبرواية : «وريبها» والمثبت كرواية اللسان وصدره في التهذيب.
(٤) اللسان.