واللَّحْنُ : الفَهْمُ والفِطْنَةُ ؛ وقد أَلْحَنَهُ القَوْلَ : إذا أَفْهَمَه إيَّاه ، فلَحِنَهُ ، كسَمِعَهُ ، لَحْناً ؛ عن أَبي زيْدٍ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ. ولَحَنَهُ غيرُه مِثْل جَعَلَهُ لَحْناً ، عن كُراعٍ ، قالَ ابنُ سِيْدَه : وهو قَليلٌ والأوَّلُ الأَعْرَفُ إذا فَهِمَهُ وفَطِنَ لمَا لم يَفْطنُ له غيرُهُ ، وبه فُسِّر أَيْضاً بَيْتُ أَسْماء الفَزاري ، فصارَ في بيتِ أَسْماء المَذْكُور ثلاثَةُ أَوْجهٍ : الفِطْنَةُ والفَهْمُ ، وهو قَوْلُ أَبي زيْدٍ وابنِ الأَعْرابي وإن اخْتَلَفا في اللَّفْظِ ، والتَّعْرِيضُ ، وهو قَوْلُ ابنِ دُرَيْدٍ والجَوْهرِيّ والخَطَأُ في الإِعرابِ على قَوْلِ مَنْ قالَ تُزِيلُه عن جهَتِه وتَعْدِلُه ، لأنَّ اللَّحْنَ الذي هو الخَطَأُ في الإِعْرابِ هو العُدولُ عن الصَّوابِ.
واللَّاحِنُ : العالِمُ بعَواقِبِ الكَلامِ ، هكذا في النسخِ والصَّوابُ أنَّه بهذا المعْنَى ككَتِفٍ وهو العالِمُ بعَواقِبِ الأُمُورِ الظَّرِيفُ. وأَمَّا اللَّاحِنُ فهو الذي يعرف (١) كَلامَه من جهة ولا يقالُ لَحَّانٌ ، فافْهَمْ ذلِكَ.
ولَحِنَ ، كفَرِحَ : فَطِنَ لحُجَّتِه وانْتَبَه لها : عن ابنِ الأَعْرابيِّ ، وهو بمَعْنَى فَهِمَ وإنِ اخْتَلَفا في اللَّفْظِ كما أَشَرْنا إليه.
ولاحَنَهُمْ مُلاحَنَةٌ : فاطَنَهُمْ ؛ ومنه قَوْلُ عُمَرِ بن عبْدِ العَزيز ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه : «عَجِبْتُ لمَنْ لاحَنَ الناسَ ولاحَنُوه كيفَ لا يَعْرفُ جَوامِعَ الكَلِم» ، أَي فاطَنَهُم وفاطَنُوه وجادَلَهُم ؛ وقَوْلُ الطرمَّاح :
وأَدَّتْ إليَّ القوْلَ عنهُنَّ زَوْلةٌ |
|
تُلاحِنُ أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ (٢) |
أَي تَكلَّمَ بمعْنَى كَلام لا يُفْطنُ له ويَخْفى على الناسِ غيرِي.
وقوْلُه تعالَى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (٣) ، أَي في فَحْواهُ ومَعْناهُ ؛ وقيلَ : أَي في نيَّتِه وما في ضَمِيرِه.
ورَوَى المُنْذري عن أَبي الهَيْثم أنَّه قالَ : العُنوانُ واللَّحْنُ بمعْنًى واحِدٍ ، وهو العلامَةُ تُشِيرُ بها إلى الإِنسانِ ليَفْطُنَ بها إلى غيرِهِ ؛ وأَنْشَدَ :
وتَعْرِفُ في عُنوانِها بعضَ لَحْنِها |
|
وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهيا (٤) |
وقد ظَهَرَ بما تقدَّمَ أَنَّ للَّحْن سَبْعة مَعانٍ : الغِناءُ ، واللُّغَةُ ، والخَطَأُ في الإِعْرابِ ، والمَيْلُ ، والفِطْنَةُ ، والتَّعرِيضُ ، والمعنى.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
يقالُ : هو أَلْحَنُ النَّاسِ إذا كان أَحْسَنهم قِراءَةً أَو غِناءً.
وأَلْحَنَ في كَلامِه : أَخْطَأَ.
وهو أَلْحَنُ من غيرِهِ : أَي أَعْرَفُ بالحجَّةِ وأَفْطَن لها منه.
واللَّحَنُ ، بالتَّحرِيكِ : الفِطْنَةُ ، مَصْدَرُ لَحِنَ ، كفَرِحَ ؛ وبالسِّكونِ : الخَطَأُ ؛ هذا قَوْلُ عامَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ : اللَّحْنُ ، بالسكونِ : الفِطْنَةُ والخَطَأُ سواءٌ.
وقالَ أَيْضاً : اللَّحَنُ ، بالتَّحْرِيكِ : اللُّغَةُ. وقد رُوِي أنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بلَحَنِ قُرَيْشٍ ، أَي بلُغَتِهم ؛ وهكذا رُوِي قَوْلُ عُمَرَ أَيْضاً وفُسِّر باللُّغَةِ.
وقالَ الزَّمَخْشريُّ ، رحِمَه اللهُ تعالى : أَرادَ غَرِيبَ اللُّغَةِ ، فإِنَّ مَنْ لم يَعْرفْه لم يَعْرفْ أَكْثَرَ كِتابِ اللهِ تعالى ومَعانِيه ، ولم يَعْرفْ أكْثَر السُّنَنِ.
وفي حدِيثِ مُعاوِيَةَ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه : أنَّه سأَلَ عن أَبي زِيادٍ فقيلَ : إنَّه ظَرِيفٌ على أنَّه يَلْحَنُ ، فقالَ : أَوَ لَيْسَ أَظْرفُ له ؛ قالَ القُتَيْبِيُّ : ذَهَبَ مُعاوِيةُ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه ، إلى اللَّحَنِ الذي هو الفِطْنةُ بتَحْريكِ الحاءِ.
وقالَ غيرُهُ : إنَّما أَرادَ اللَّحْنَ ضِدّ الإعْرابِ ؛ وهو يُسْتَمْلحُ في الكَلامِ إذا قَلَّ ، ويُسْتَثْقَلُ الإعرابُ والتشَدُّقُ.
ورَجُلٌ لَحِنٌ ، ككَتِفٍ : فَطِنٌ ظَرِيفٌ ؛ قالَ لبيدٌ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه :
__________________
(١) اللسان : يصرف كلامه عن جهة.
(٢) اللسان والتهذيب والأساس ، وبالأصل : «ترنوا».
(٣) محمد ، الآية ٣٠.
(٤) اللسان والتهذيب.