ويَشْترِكَانِ في خَمْسَةِ أُمُورٍ : الاسْتِفْهامُ والابْهَامُ والافْتِقارُ إلى التّمييزِ والبِناءِ ولُزومِ التّصْديرِ وإفادة التكثير.
قالَ أُبيُّ بنُ كَعْبٍ لابنِ مَسْعودٍ ، هكذا في النُّسخِ والصَّوابُ لزر بنِ حُبَيْش : كائن (١) تَقْرَأُ ، ونَصّ الحدِيثِ : تَعُدُّ سورةَ الأَحْزابِ ، أَي كم تَعُدُّها آيةً ؛ قالَ : ثلاثاً وسبعين.
وتُخالِفُها في خَمْسَةِ أُمُورٍ :
١. أَنَّها مُرَكَّبَةٌ وكَمْ بَسِيطَةٌ على الصّحِيحِ (٢).
٢. أَنَّ مُمَيِّزَها مَجْرُورٌ بمِنْ غالِباً حتى زَعَمَ ابنُ عْصُفورٍ لُزُومَه ؛ ومنه قوْلُ ذي الرُّمَّة :
وكائِنْ ذَعَرْنا من مَهاةٍ ورامِحِ |
|
بلادُ العِدَا ليْسَتْ له ببِلادِ (٣) |
٣. أنَّها لا تَقَعُ اسْتِفْهامِيَّةً عنْدَ الجُمْهورِ.
٤. أَنَّها لا تَقَعُ مَجْرُورَةً خِلافاً لمَنْ جَوَّزَ بكأَيِّنْ تَبِيعُ هذا (٤).
٥. أَنَّ خَبَرَها لا يَقَعُ مُفْرِداً.
وقالوا في الفَرْقِ بينَ كَمِ الخَبَريَّة والاسْتِفْهامِيَّة أَيْضاً بخَمْسَةِ أُمُورٍ :
أَحدُها : أنَّ الكَلامَ مع الخَبَريَّةِ مُحْتَمل للتَّصْديقِ والتَّكْذيبِ بخِلافِه مع الاسْتِفْهاميَّةِ.
الثاني : أَنّ المُتَكلِّمَ مع الخَبَريَّةِ لا يَسْتَدْعِي جَواباً بخِلافِ الاسْتِفْهاميَّةِ (٥). الثالث : أَنَّ الاسمَ المُبْدلَ من الخَبَرِيَّةِ لا يَقْتَرِنُ بالهَمْزَةِ بِخِلافِ المُبْدَل مِنَ الاسْتِفْهامِيَّةِ.
الرابع : أَنَّ تَمْييزَ الخَبَريَّةِ مُفْردٌ ومَجْموعٌ (٦) ، ولا يكونُ تَمْييزُ الاسْتِفْهاميَّة إلَّا مُفْرداً.
الخامسُ : أَنَّ تَمْييزَ الخَبَرِيَّةِ واجِبُ الخَفْضِ وتَمْييزَ الاسْتِفْهامِيَّةِ مَنْصوبٌ ولا يُجَرُّ خِلافاً لِبَعْضِهم (٧).
وقالَ ابنُ بَرِّي : ظاهِرُ كَلامِ الجوْهرِيِّ أَنَّ كائِنَ عنْدَه مِثْلُ بائِع وسَائِر ونَحْو ذلِكَ ممَّا وَزْنه فاعِل ، وذلِكَ غَلَطٌ ، وإنَّما الأصْلُ فيها كأَيٍّ ، الكافُ للتَّشْبيهِ دَخَلَتْ على أَيٍّ ، ثم قُدِّمَتِ الياءُ المُشدَّدَةُ ثم خُفِّفَتْ فصارَ كَيْيءٍ ثم أُبْدِلَتِ الياءُ أَلِفاً فقالوا كاءٍ كما قالوا في طَيِّئٍ طاءٍ.
وقالَ الأزْهرِيُّ : أَخْبَرَني المُنْذري عن أَبي الهَيْثَمِ أَنَّه قالَ كأَيِّن (٨) بمعْنَى كَمْ ، وكَمْ بمعْنَى الكَثْرَةِ ، وتَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ في معْنَى القِلَّةِ ، قالَ : وفي كأيِّن ثلاثُ لُغاتٍ : كأَيِّنْ (٨) بِوَزْن كَعَيِّنْ الأصْل أَيٌّ أُدْخِلَتْ عليها كافُ التّشْبيه.
وكائِنْ بوَزْن كاعِنْ.
واللّغَةُ الثالثة : كاينْ بوَزْن مايِنْ ، لا هَمْز فيه ؛ وأَنْشَدَ :
كايِنْ رَأَيْتُ وَهايا صَدْعِ أَعْظُمِه |
|
ورُبَّهُ عَطِبٌ أَنْقَذْتُ مِلْعَطَبِ (٩) |
قالَ : ومن قالَ كَأْي لم يَمُدَّها ولم يحرِّكْ هَمْزَتَها التي هي أَوَّل أَيٍّ ، فكأَنَّها لُغَةٌ ، وكلُّها بمعْنَى كَمْ.
وقالَ الزَجَّاجُ : في كائِنْ لُغَتانِ جَيِّدتانِ يُقْرَأُ كَأَيٍّ بتَشْديدِ الياءِ ، ويُقْرأُ وكائِنْ على وَزْنِ فاعِلٍ ، قالَ : وأَكْثَرُ
__________________
(١) في القاموس : «كأيِّنْ» والذي في النهاية : كأين تعدون ، ولعلهما روايتان ، إذ ما ذكره المجد ذكره الأشموني على الألفية ، ا ه مصححه. عن هامش القاموس.
(٢) وذلك خلافاً لمن زعم أنها مركبة من الكاف وما الاستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار وسكنت ميمها للتخفيف لثقل الكلمة بالتركيب ، أفاده في مغني اللبيب ، ص ٢٤٦.
(٣) اللسان.
(٤) يعني ابن قتيبة وابن عصفور ، كما يفهم من عبارة مغني اللبيب.
(٥) لأن المتكلم بالخبر مخبرٌ ، والمتكلم بالاستفهامية مستخبر.
(٦) في مغني اللبيب ص ٢٤٥ : أو مجموع.
(٧) يعني الفراء والزجاج وابن السراج وآخرين ، أفاده في مغني اللبيب.
(٨) في اللسان : كأيٍّ.
(٩) اللسان ، وقوله : ملعطب أصله من العطب ، ويروى في الشواهد : من عطبه.