ووُقُوعِه اسْتَغْنَى عن الخبَرِ لأنَّه دَلَّ على معْنًى وزَمانٍ ، تقولُ : كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرِفُه مُذْ كانَ أَي مُذْ خُلِقَ ، قالَ مُقَّاسٌ العائِذِيُّ :
فِدًى لبَني ذُهْلِ بنِ شَيْبانَ ناقَتِي |
|
إذا كانَ يومٌ ذو كواكبَ شَهْبُ (١) |
وبمَعْنَى أَقامَ : كقَوْلِ عبدِ اللهِ بنِ عبْدِ الأَعْلَى :
كُنّا وكانُوا فما نَدرِي على وَهَمٍ |
|
أَنَحْنُ فيما لَبِثْنا أَمْ هُمُ عَجِلُوا؟ (٢) |
وكانَ يَقْتَضِي التّكْرَار ، والصَّحيحُ عنْدَ الأُصُولِيِّين أَنَّ لَفْظَه لا يَقْتَضِي تِكْراراً لا لُغَةً ولا عُرْفاً وإنْ صَحَّحَ ابنُ الحاجِبِ خِلافَه ، وابنُ دَقيقِ العيدِ اقْتِضاءَها عُرْفاً كما في شرْحِ الدَّلائِل للفاسِي ، رحِمَه اللهُ تعالى عنْدَ قوْلِه : كانَ إذا مَشَى تَعَلَّقَتِ الوُحوشُ بأَذْيالِهِ.
ومِن أَقْسامِ كانَ الناقِصَة أَنْ تأْتي بمَعْنَى صارَ : كقَوْلِه تعالَى : وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣).
قالَ ابنُ بَرِّي : ومنه قَوْلُه تعالى أَيْضاً : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (٤) ومنه قَوْلُه تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (٥) ؛ وقَوْلُه تعالى : (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) (٦) ؛ وقَوْلُه تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) (٧) ، أَي صِرْتَ إليها : وقَوْلُه تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (٨) ؛ وقالَ شَمْعَلَةُ بنُ الأَخْضَر :
فَخَرَّ على الأَلأَةِ لم يُوَسَّدْ |
|
وقد كانَ الدِّماءُ له خِمارَا (٩) |
* قلْتُ : ومنه أَيْضاً في حدِيثِ كَعْبٍ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه : «كُنْ أَبا خَيْثَمَة» ، أي صِرْهُ ؛ يقالُ للرَّجُلِ يُرَى مِن بُعْد : كُنْ فُلاناً ، أَي أَنْتَ فلانٌ ، أَو هو فُلانٌ.
وقالَ أَبو العبَّاسِ : اخْتَلَفَ الناسُ في قوْلِهِ تعالىَ : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ، فقالَ بعضُهم : كانَ هنا صِلَة ، ومَعْناه كيفَ نُكَلِّمُ مَنْ هو في المَهْدِ صَبِيّاً ؛ وقالَ الفرَّاءُ : كانَ هنا شَرْطٌ وفي الكَلامِ تَعجُّبٌ ، ومَعْناه : مَنْ يَكُنْ في المَهْدِ صَبِيّاً فكيفَ يُكَلَّمُ؟.
وبمَعْنَى الاسْتِقْبالِ : كقَوْلِه تعالَى : يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (١٠) ، ومنه قَوْلُ الطرمَّاحِ :
وإنّي لآتِيكُم تَشَكُّرَ ما مَضَى |
|
من الأَمْرِ واسْتِنْجاز ما كانَ في غَدِ (١١) |
وقَوْلُ سَلَمَة الجُعْفِيّ :
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ من بَيْنِ سَاعَةٍ |
|
فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟ (١٢) |
وبمَعْنَى المُضِيِّ المُنْقَطِعِ وهي التَّامَّةُ كقَوْلِه تعالَى : وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ (يُفْسِدُونَ) (١٣) ، ومنه قَوْلُ أَبي الغول :
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعْ |
|
نَ قَوماً كالذي كانوا (١٤) |
أَي مَضَوْا وانْقَضَوا : وقَوْلُ أَبي زُبَيْدٍ :
ثم أَضْحَوْا كأَنَّهُم لم يَكُونوا |
|
ومُلُوكاً كانوا وأَهْلَ عَلاءِ (١٥) |
وبمَعْنَى الحالِ : كقَوْلِهِ تعالى : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ) (١٦) ؛ ورُوِي عن ابنِ الأَعْرابيِّ في تَفْسيرِ
__________________
(١) اللسان والصحاح.
(٢) اللسان.
(٣) البقرة ، الآية ٣٤.
(٤) آل عمران ، الآية ١١٠.
(٥) الرحمن ، الآية ٣٧.
(٦) المزمل ، الآية ١٤.
(٧) البقرة ، الآية ١٤٣.
(٨) مريم ، الآية ٢٩.
(٩) اللسان.
(١٠) الإِنسان ، الآية ٧.
(١١) اللسان.
(١٢) اللسان.
(١٣) النمل ، الآية ٤٨.
(١٤) اللسان.
(١٥) شعراء إسلاميون ، شعر أبي زبيد ص ٥٨٤ برواية :
فأصدقوني أسوقة أم ملوك |
|
أنتم والملوك أهل علاء |
وانظر تخريجه فيه ، والمثبت كرواية اللسان.
(١٦) آل عمران ، الآية ١١٠.