وقيلَ : المِيمُ في المَكانِ أَصْلٌ كأَنَّه مِن التَّمَكُّنِ دُونَ الكَوْنِ ، وهذا يُقَوِّيه ما ذَكَرْناه مِن تَكْسِيرِه على أَفْعِلةٍ.
وقالَ اللّيْثُ : المَكانُ اشْتقاقُه مِن كانَ يكونُ ، ولكنَّه لمَّا كَثُرَ في الكلامِ صارَتِ المِيمُ كأَنَّها أَصْليّةٌ.
وذَكَرَ الجوْهرِيُّ في هذه التَّرْجمةِ مِثْلَ ذلكَ ، قالَ : المَكانَةُ المَنْزِلَةُ ، فلانٌ مَكِينٌ عنْدَ فلانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ ولمَّا كَثُرَ لُزُوم المِيم تُوُهِّمَتْ أَصْليَّة فقالوا : تَمَكَّن كما قالوا في المِسْكِين تَمَسْكَنَ.
قالَ ابنُ بَرِّي : مَكِينٌ فَعِيلٌ ، ومَكانٌ فَعالٌ ، ومَكانَةٌ فَعالَةٌ ، ليسَ شيءٌ منها مِن الكَوْنِ فهذا سَهْوٌ ، وأَمْكِنَةٌ أَفْعِلَةٌ ، وأمَّا تَمَسْكَنَ فهو تفعل (١) كتَمَدْرَعَ مُشْتَقّ من المِدْرَعةِ بزِيادَتِه ، فعلى قِياسِه يجبُ في تمكَّنَ تمَكْوَنَ لأنَّه تفعل (٢) على اشْتقِاقِه لا تمكَّنَ ، وتمَكَّنَ وَزْنُه تَفَعَّلَ ، وهذا كلُّه سَهْوٌ ومَوْضِعُه فَصْلُ المِيمِ مِنْ بابِ النونِ.
ومَضَيْتُ مَكانَتِي ومَكِينَتِي : أي على طِيَّتِي ، وهذا أَيْضاً صَوابُ ذِكْرِه في مكن كما سَيَأْتي.
وكانَ : مِنَ الأفْعالِ التي تَرْفَعُ الاسمَ وتَنْصِبُ الخَبَر ، كقوْلِكَ ؛ كانَ زَيْدٌ قائِماً ، ويكونُ عَمْرو ذاهِباً ، كاكْتَانَ ، والمَصْدَرُ الكَوْنُ والكِيانُ ، ككِتابٍ ، والكَيْنُونَةُ. ويقالُ : كُنَّاهُمْ ، أَي كُنَّا لَهُم ، عن سِيبَوَيْهِ مَثَّلَه بالفِعْلِ المُتَعدِّي.
وقالَ أَيْضاً : إذا لم تَكُنْهم فمَنْ ذا يَكُونُهم ، كما تقولُ إذا لم تَضْربْهم فمَنْ ذا يَضْرِبهم. قالَ. وتقولُ هو كائِنٌ ومَكُونٌ ، كما تقولُ ضارِبٌ ومَضْروبٌ.
وكُنْتُ الغَزْلَ كنوناً : غَزَلْتُه.
والكُنْتِيُّ والكُنْتُنِيُّ ، بزِيادَةِ النُّونِ نسْبَة إلى كُنْتُ. وزَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّ إخْراجَه على الأَصْلِ أَقْيَس فتقولُ الكُونِيُّ ، على حَدِّ ما يُوجِبُ النَّسَبَ إلى الحِكايَةِ ، وهو الكَبيرُ العُمُرِ ؛ وقد جَمَعَ الشاعِرُ بَيْنهما في بيتٍ :
وما كُنْتُ كُنْتِيّاً وما كُنْتُ عاجِناً |
|
وشَرُّ الرِّجالِ الكُنْتِنِيُّ وعاجِنُ (٣) |
قالَ الجوْهرِيُّ : يقالُ للرَّجُلِ إذا شاخَ : هو كُنْتِيٌّ ، كأنَّه نُسِبَ إلى قَوْلِ كُنْتُ في شبَابي كذا ؛ وأَنْشَدَ :
فأَصْبَحْتُ كُنْيتا وأَصْبَحْتُ عاجِناً |
|
وشَرُّ خِصالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ (٤) |
وهكذا أَنْشَدَه الجُرْجاني في كتابِ الكِنايَاتِ.
وقالَ ابنُ بُزُرْج : الكُنْتِيُّ القَوِيُّ الشَّديدُ ؛ وأَنْشَدَ :
قد كُنْتُ كُنْيتا (٥) فأصْبَحْتُ عاجِناً |
|
وشَرُّ خِصالِ الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ |
وقالَ أبو زَيْدٍ : الكُنْتِيُّ الكَبيرُ ؛ وأنْشَدَ :
إذا ما كُنْتَ مُلْتَمِساً لغَوْثٍ |
|
فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيِّ كبِيرِ |
فَلَيْسَ بمُدْرِكٍ شيئاً بِسَعْيٍ |
|
ولا سَمْعٍ ولا نَظَرٍ بَصِيرِ (٦) |
وفي الحديثِ : أَنَّه دَخَلَ المَسْجِدَ (٧) وعامَّةُ أَهْلِه الكُنْتِيُّونَ ؛ هم الشُّيوخُ الذين يقُولونَ كُنَّا كذا ، وكان كذا ، وكُنْتُ كذا.
ونَقَلَ ثَعْلَب عن ابنِ الأعْرابيِّ : قيلَ لصَبِيَّةٍ مِن العَرَبِ ما بَلَغَ الكِبَرُ من أَبِيكِ؟ قالتْ : قد عَجَنَ وخَبَزَ وثَنَّى وثَلَّثَ وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ.
وتكونُ كانَ زَائِدَةً ولا تُزادُ أَوّلاً ، وإنَّما تُزادُ حَشْواً ، ولا يكونُ لها اسمٌ ولا خَبَرٌ ولا عَمَل لها ، كقوْلِ الشاعِرِ :
__________________
(١) في اللسان : «تمفعل ... مشتقاً».
(٢) اللسان : تمفعل.
(٣) اللسان.
(٤) اللسان والصحاح وفيهما : فأصبحت كنتياً.
(٥) في اللسان : «كنتياً».
(٦) اللسان.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : أنه دخل المسجد كذا في اللسان في موضع ، وفي آخر : دخل عبد الله بن مسعود المسجد الخ».