الفرَّاءُ أيْضاً قَوْلُه تعالَى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) ، أَي ما نَقَصُونا شَيئاً بما فَعَلوا ولكنْ نَقَصُوا أَنْفُسَهم.
وقد تقدَّمَ أَوَّلاً أَنَّ مِن أَئمَّةِ الاشْتِقاقِ مَنْ جَعَلَ أَصْل الظُّلْم بمعْنَى النَّقْصِ ، وظاهِرُ سِياقِ الأَساسِ أَنَّه مِن المجازِ.
وِمِن المجازِ : ظَلَمَ الأَرضَ ظلماً إِذا حَفَرَها في غيرِ مَوْضِعِ حَفْرِها ، وتلْكَ الأَرْض يقالُ لها المَظْلومَةُ.
وقيلَ : الأَرْضُ المَظْلومَةُ التي لَم تُحْفَرْ قَطُّ ثم حُفِرَتْ.
وفي الأَساسِ : أَرْضٌ مَظْلومَةٌ حُفِرَ فيها بئْرٌ أَو حَوْضٌ ولم يُحْفَرْ فيها قَطُ.
وِمِن المجازِ : ظَلَمَ البَعيرَ ظلماً إِذا نَحَرَهُ مِن غيرِ داءٍ ، وهو التَّعْبيط ، وقالَ ابنُ مُقْبِلٍ :
عَادَ الأَذِلَّةُ في دارٍ وكانَ بها |
|
هُرْتُ الشَّقاشِقِ ظَلَّامُونَ للجُزُرِ (٢) |
أَي وَضَعوا النحْرَ في غيرِ مَوْضِعِهِ.
وِمِن المجازِ : ظَلَمَ الوادِي ظلماً : إِذا بَلَغَ الماءُ منه مَوْضِعاً لم يَكُنْ بَلَغَهُ قَبْلَهُ ولا نَالَهُ فيمَا خَلا ، قالَ يَصِفُ سَيْلاً :
يَكادُ يَطْلُع ظُلْماً ثم يَمْنَعُه |
|
عن الشَّواهِقِ فالوادِي به شَرِقُ (٣) |
وفي الأَساسِ : ظَلَمَ السَّيْلُ البِطاحَ : بَلَغَها ولم يَبْلُغْها قبْلُ.
وفي المُحْكَم : ظَلَمَ السَّيْلُ الأَرضَ إِذا خَدَّدَ فيها في غيرِ مَوْضِعِ تَخْدِيدٍ ، قالَ الحُوَيْدِرَةُ :
ظَلَم البِطاحَ بها انْهلالُ حَرِيصَةٍ |
|
فَصَفَا النِّطافُ بها بُعَيْدَ المُقْلَعِ |
(٤) وِمِن المجازِ : ظَلَم الوَطْبَ ظلماً : إِذا سَقَى منه اللَّبَنَ قَبْلَ أَنْ يَرُوبَ وتَخْرجَ زُبْدَتُه ، واسْمُ ذلِكَ اللّبَن الظَّلِيمُ وِالظَّلِيمَةُ وِالمَظْلومُ ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ :
وِقائِلةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقائِي |
|
وِهل يَخْفَى على العَكِدِ الظَّلِيمُ (٥)؟ |
وِمِن المجازِ : ظَلَمَ الحِمارُ الأَتانَ : إِذا سَفَدَها قَبْلَ وقْتِها وهي حامِلٌ ، كما في الأَساسِ.
وِقالَ أَبو عُبَيْدٍ : ظَلَمَ القَوْمَ إِذا سَقاهُمُ اللَّبَنَ قَبْلَ إِدْرَاكِه.
قالَ الأَزْهرِيُّ : هكذا رُوِيَ لنا هذا الحَرفُ وهو وَهَمٌ ، والصَّوابُ ظَلَم السِّقاءَ وِظَلَم اللَّبَنَ ، كما رَوَاهُ المُنْذريُّ عن أَبي الهَيْثمِ وأَبي العبَّاس أَحْمد بن يَحْيَى.
وِالظُّلْمَةُ ، بالضمِّ وبضَمَّتَيْنِ ، لُغتانِ ذَكَرَهُما الجَوْهرِيُّ ، وِكَذلِكَ الظَّلْماءُ بمعْنَى الظُّلْمة ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ أَيْضاً ، قالَ : ورُبَّما وُصفَ به كما سَيَأْتي. وِالظَّلامُ : اسمٌ يَجْمَع ذلِكَ كالسَّوادِ ولا يُجْمعُ ، يَجْرِي مَجْرى المَصْدَرِ ، كما لا يُجْمعُ نَظائِرُه نحْو السَّوادِ والبَياضِ.
وِالظُّلْمَةُ : ذَهابُ النَّورِ.
وفي الصِّحاحِ : خِلافُ النورِ.
وفي المُفْرداتِ : عدمُ النورِ أَي عَمَّا مِن شَأْنِه أَنْ يَسْتنير فبَيْنها وبينَ النّورِ تَقابل العَدَم والمَلكَةِ.
وقِيلَ : عرضٌ يُنافِي النّورَ فبَيْنهما تَضادٌّ وبسطه في العِنايَةِ.
وقالَ الرَّاغبُ : ويُعَبَّرُ بها عن الجَهْلِ والشِّرْكِ والفسْقِ كما يُعَبَّرُ بالنُّورِ عن أَضْدادِها.
وفي الأَساسِ : الظُّلْمُ ظُلْمةٌ كما أَنَّ العَدْلَ نُورٌ. ويقالُ : هو يَخْبِطُ الظَّلام ، وِالظُّلْمَة وِالظَّلْماء.
وِلَيْلَةٌ ظُلْمَةٌ ، على طَرْحِ الزَّائِدِ ، وِلَيْلَةٌ ظَلْماءُ : كِلْتاهُما شَديدَةُ الظَّلْمَةِ.
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٥٧.
(٢) اللسان والأساس والصحاح والمقاييس ٣ / ٤٦٩.
(٣) اللسان.
(٤) من مفضلية الحادرة رقم ٨ بيت رقم ٧ وهو لقبه ، ويقال له الحويدرة أيضاً على التصغير ، واسمه : قطبة بن أوس العظفاني شاعر جاهلي مقلّ (اللسان ٥ / ٣٦٦) وقيل غير ذلك ، والبيت في اللسان «ظلم» والتهذيب.
(٥) الصحاح واللسان والمقاييس ٣ / ٤٦٩ والتهذيب.