وقال : وفي الدرّ المنثور أيضاً أخرج ابن سعد وأحمد ، عن عبد الرحمان ابن قتادة السلمي ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، قال : سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوسلم يقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق آدم ثمّ أخذ الخلق من ظهره ، فقال : هؤلاء في الجنّة ولا اُبالي ، وهؤلاء في النار ولا اُبالي ، فقال رجل : يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟ قال : على مواقع القدر.
أقول : القول في ذيل الرواية نظير القول في ذيل رواية أبي اُمامة المتقدّمة ، وقد فهم الرجل من قوله «هؤلاء في الجنّة ولا اُبالي ، وهؤلاء في النار ولا اُبالي» سقوط الاختيار ، فأجابه صلىاللهعليهوآله : بأنّ هذا قدر منه تعالى وأنّ أعمالنا في عين أنّا نعملها وهي منسوبة إلينا تقع على ما يقع عليه القدر فتنطبق على القدر وينطبق هو عليها ، وذلك أنّ اللّه قدّر ما قدّر من طريق اختيارنا فنعمل نحن باختيارنا ، ويقع مع ذلك ما قدّره اللّه سبحانه ، لا أنّه تعالى أبطل بالقدر اختيارنا ، ونفي تأثير إرادتنا ، والروايات بهذا المعنى كثيرة ـ انتهى كلامه رفع اللّه مقامه ـ.
فكما قال الإمام الصادق عليهالسلام : «لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين» ، وكما نقول عند قيامنا من السجود : «بحَول اللّه وقوّته أقوم وأقعد» (١).
هذا إجمال ما أردت بيانه حول عالم الذرّ ، وفي كتاب (التأويلات النجمية) أنّ الباء من الحروف الشفوية ، وكان أوّل انفتاح فمّ الذرة الإنسانية في عهد (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ) بالجواب بكلمة (بَلى) ، فأوّل حرف نطقت به فم الذرة الإنسانية هو حرف الباء ، فاختصّت بهذه الاختصاصات الربّانية ، وجعلها اللّه تعالى مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وبداية خطابه ، فقال عزّ من قائل : (بِسْمِ اللّهِ
__________________
(١) لقد ذكرت مسألة الجبر والتفويض في كتابنا (الحقّ والحقيقة بين الجبر والتفويض) ، فراجع.