(اُمّ الرأس). ففي الفاتحة إجمال ما فصّل في الكتاب المجيد ، فكان الكتاب نشأ من هذه السورة بالتفصيل بعد الاجمال ، كما سمّيت مكة المكرمة باُمّ القرى; لأنّ الأرض دحيت منها.
كما إنّ الاُمّ بمعنى المقصود وما يقصده الإنسان ، فأَمَّهُ أي : قَصَدَه. وفي هذه السورة مقصود الكتاب ، وهي أوّل سورة يفتتح بها ، فهي أصل الكتاب ومن ثمّ تضاف إليه ، ويقال : فاتحة الكتاب.
فكلّ ما جاء في القرآن الكريم إنّما هو في سورة الحمد ، فإنّها براعة استهلال رائعة للقرآن الكريم ، فهي تحتوي على اُصول الدين وفروعه ، فالحمد للّه : إنّما يدلّ على إثبات الصانع ، وربّ العالمين : على صفاته. والرحمن الرحيم : على عدله ، ومالك يوم الدين : على إثبات المعاد ، والصراط المستقيم : على السعادة الدنيوية والاُخروية من الأعمال الصالحة والعبادات الصحيحة ، وأنعمت عليهم : يدلّ على النبوّة والإمامة; فإنّ اللّه أنعم على الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين ، وغير المغضوب عليهم ولا الضالّين : إنّما يدلاّن على المنحرفين وأصل الضلال والغضب والشقاوة في الدنيا والآخرة ، وإشارة إلى قصص الأنبياء واُممهم السالفة.
ففي السورة تقرير الحمد للّه عزّ وجلّ وربوبيته للعالمين ، فالإله الذي يؤمن به المسلمون إله واحد لا شريك له هو ربّ العالمين ، ويجب عليهم حمده والثناء عليه ، فإنّه الرحمن في الدنيا للمؤمن والكافر ، فساواهما في الرزق والهداية والرحمة العامة ، وجعل الإنسان مختاراً ، فإمّا شاكراً وإمّا كفوراً ، ثمّ خصّ رحمته بالمؤمنين الذين استجابوا للّه ولرسوله (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء فَسَأكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُون) (١) ،
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية ١٥٦.