واحتجّ اصحاب افلاطون على صحة ما ادعوه من
ان شيئا ينبثّ ويخرج من البصر الى المبصر فيلاقيه ، بان المبصرات ، متى كانت
متفاوتة بالمسافات ، ادركنا ما هو اقرب دون ما هو ابعد ، والعلة في ذلك ان الشيء
الخارج من البصر يدرك بقوّته ما يقرب منه ، ثم لا يزال يضعف ، فيكون ادراكه اقلّ واقلّ
، حتى تفنى قوّته ، فلا
يدرك ما هو بعيد عنه جدا البتة .
ومما يؤكد هذه الدعوى ، انّا متى مددنا ابصارنا الى مسافة بعيدة ، واوقعناها على مبصر
ينجلي بضوء نار قريبة منه ، ادركنا ذلك المبصر ، وان كانت المسافة التي بيننا وبينه
مظلمة. فلو كان الامر على ما قاله ارسطو واصحابه ، لوجب ان يكون جميع المسافة التي
بيننا وبين المبصر مضيئا ليحمل الالوان فتؤدي الى البصر. فلما وجدنا الجسم المتجلي
من بعد مبصرا ، علمنا ان شيئا خرج من البصر وامتدّ ، وقطع الظلمة ، وبلغ المبصر الذي
تجلى بضوء ما ادركه.
ولو كان كلا الفريقين ارخوا اعينهم قليلا
، وتوسطوا النظر وقصدوا الحق ، وهجروا طريق العصبية
، لعلموا ان الافلاطونيّين انما ارادوا بلفظ الخروج معنى غير معنى خروج الجسم من المكان.
__________________