وليس الامر كذلك ، في الحقيقة : فان
افلاطون هو الذي دوّن السياسات ، وهذبها ، وبيّن السير العادلة ، والعشرة
الأنسية المدنية ، وابان عن فضائلها ، واظهر الفساد العارض لأفعال من هجر العشرة المدنية
، وترك التعاون فيها. ومقالاته ، فيما ذكرناه ، مشهورة ، يتدارسها الأمم المختلفة
من لدن زمانه الى عصرنا هذا. غير انّه ، لما رأى امر النفس وتقويمها اوّل ما يبتدئ
به الانسان ، حتى اذا احكم تعديلها وتقويمها
، ارتقى منها الى تقويم غيرها
؛ ثم ، لم يجد في نفسه من القوة ما يمكنه الفراغ مما يهمّه من امرها ، افنى ايامه
في اهمّ الواجبات عليه ، عازما على انه ، متى فرغ من الاهمّ الاولي ، اقبل على
الاقرب الادنى ، حسب ما اوصى به في مقالاته في «السياسات والاخلاق».
وان ارسطوطاليس جرى على مثل ما جرى عليه
افلاطون في اقاويله «ورسائله السياسية». ثم لما رجع الى امر نفسه خاصّة ، احس منها
بقوة ورحب ذراع وسعة صدر وتوسع اخلاق وكمال امكنه معها تقويمها ، والتفرّغ للتعاون
، والاستمتاع بكثير من الاسباب المدنية.
فمن تأمل هذه الاحوال ، علم انه لم يكن
، بين الرأيين والاعتقادين ، خلاف ، وان التباين الواقع لهما كان سببه نقص في
القوى الطبيعية في
__________________